في الساعات القليلة الماضية، تحرّك الجمود الذي طبع الحركة السياسية في لبنان، وضبطت الساعة عند الرابعة من بعد ظهر اليوم، موعد إعلان سعد الحريري عن عزوفه عن الإنتخابات ترشحاً واقتراعاً. قرار الحريري المعروف مسبقاً قبل أشهر، ألقى بثقله إعلامياً، مع إنقسام حلّ على الشاشات. نحن أمام شخصية سياسية خسرت منابرها الإعلامية في السنوات الأخيرة، وأعلنت إفلاسها المالي، وها هي تعزف عن الدخول في الاستحقاق الإنتخابي، فاسحةً في المجال أمام سلسلة من التأويلات والأسئلة حول تأثير قرار العزوف على الساحة السياسية، سيما السنية، وتوزع الأصوات الإنتخابية على باقي القوى السياسية المشاركة التي يقع أغلبها في موقع الخصم للحريري. قناة «الجديد» التي ساندت الحريري إعلامياً في الأشهر الماضية، وتحديداً بعيد ذكرى اغتيال والده في شباط (فبراير) الماضي، وحلّت كبديل عن إعلامه المتهاوي، دأبت في اليومين السابقين، على النقل المباشر لحركة مناصريه الذين تجمعوا أمام «بيت الوسط»، مطالبين بعودته الى الحياة السياسية. وفي مقدمة نشرة أخبارها أمس، وصفت «الجديد» قرار عزوف الحريري عن الانتخابات، بـ «الثوري وغير المسبوق»، وراحت تمتدح استقالته إبان تحركات «17 تشرين»، لـ «اقتناعه بصوابية الحراك الشعبي وسماعه أنين الناس». وفي تقرير إخباري، شبّهت المحطة ما يحصل اليوم، بظروف مرحلة عام 1992، التي قاطع فيها المسيحيون الانتخابات، بمعية البطريركية المارونية. تشبيه يقع حتماً في خانة المغالاة، كون المرحلة السابقة، حملت مقاطعة طائفة بأكملها للانتخابات، فيما الواقع الحالي، يشي بأن تياراً سياسياً -على الرغم من حجمه الكبير- يحجم عن الانتخابات. وفي المساء، انشغل برنامج «وهلق شو؟» بمواكبة قرار الحريري، وسأل عن تأثيره في الإنتخابات، وما إذا كان تياره بالكامل سيحجم عن الانتخابات. على قناة mtv، كانت الأجواء مختلفة، تذهب بنا، صوب تأييد عزوف الحريري عن الانتخابات، بل الإبتهاج بهذا القرار. كان واضحاً المسار الذي اتخذته المحطة في التأكيد بأن قرار الحريري بالإنكفاء لن يؤثر على الميثاقية الوطنية، وأن تشبيه ما يحصل اليوم بالعام 1992، غير جائز. المحطة كذلك، اقتنصت الفرصة، للتأليب ضد «حزب الله»، عندما لمحت بأن عزوف الحريري سيفسح في المجال أمام حلفاء الحزب للتوسع في الساحة السنية! وعلى lbci، كان الأجواء تشي بتأييد قرار الحريري، وتحميله مسؤولية «التسويات السياسية» التي قام بها وأدّت بحسب المحطة الى «اضمحلال» تياره. من جهتها، راحت otv تفنّد قرار الحريري دستورياً، وتعتبر أن لا انعكاس لعزوفه عن خوض الإنتخابات، على شرعيتها، وراحت تعدد التيارات السياسية «السنية» التي تقف في الخندق المقابل للحريري، وتسأل عن حظوظها في الإنتخابات في ظل غياب «تيار المستقبل». إذاً، انقسم الإعلام المحلي على ضوء قرار سعد الحريري العزوف عن المشاركة في الإنتخابات النيابية مع تياره. انقسام يعود بعضه الى اقتحام شقيقه بهاء الساحة الإعلامية، وبالتالي صدور قرار بإزاحته من المكانة السياسية والإعلامية، وبعضه الآخر الى التقاء المصالح في خصومة رئاسة الجمهورية وتيارها السياسي، كما حصل مع «الجديد».