... فـإن هـم ذهـبت أخلاقهم ذهـبوا (أحمد شوقي)
ليس الانهيار في لبنان اقتصادياً فقط. لقد طاول الانحطاط كل المجالات، على رأسها (وأخطرها) الأخلاق. وليس «سبقاً صحافيّاً» إذا قلنا إنّ «الجديد» لم تعد منذ فترة طويلة الإعلام الذي طبع هويته في أذهان المشاهدين. لا شيء يبقى على حاله! لعلّ «الجديد» أكثر محطّة مرّت في تاريخها بـ «تكويعات» دوّختها ودوّختنا معها، حتى وصلت إلى نوع من شيزوفرينيا فاضحة: قناة ترفع شعار الثورة، تغازل رياض سلامة، تهادن الطبقة السياسية، باستثناء فريق واحد «شاءت الصدف» أنّه موضوع حملة ممهنجة محلية وعالمية! وصلت حفلة التصويب على فريق سياسي محدّد، إلى درك افتقد أدنى مستوى من الأخلاقيات المهنية والمسؤولية لمهنة يفترض أنّها تضع الحقيقة ومصلحة المواطن والوطن على رأس أولوياتها! مقدّمات نشرات الأخبار، البرامج الاجتماعية، والبرامج الساخرة، كلّها تقريباً باتت تدور في فلك واحد هو «سياسة المحطة التحريرية» الجديدة، كي لا نقول «دفتر الشروط» الملزمة به! بل إنّ القناة خرجت علينا في الكثير من المرّات لإلقاء محاضرات بنبرة فوقية واستفزازية وعنصرية مع شريحة من اللبنانيين مطلوب محاصرتها حتى تخلّيها عن انتمائها السياسي! ضمن هذا السياق السياسي، يمكن وضع مجموعة من البرنامج أطلقتها القناة منذ فترة. أرادت محطة تحسين خياط الاستثمار في المحتوى (الموفّق حيناً والبايخ أحياناً) الذي يقدّمه حسين قاووق ومحمد الدايخ في «شو الوضع». لكن الثنائي توقّف عندما امتدت رقابة القناة إلى أحد اسكتشاتهما، عن الإمارات تحديداً، فانسحبا من المشهد (ترفع لهما القبعة). ظلّت داليا أحمد في الميدان مع «فشّة خلق». لكن لسوء حظ المشاهدين، فإنّ داليا ليست «كوثرااااني»! هذه المذيعة تفتقر إلى الموهبة في مجال البرامج النقدية الساخرة. وأنت تشاهدها تفنجر عينيها و«تتسمسم» على الشاشة، لا تكاد تصدّق! هل إنّ القائمين على المحطة ارتأوا أنّ برنامج الردح هذا ــــ كأنّنا به خارج من مسلسل «باب الحارة» ــــ يستحقّ مساحة على الهواء؟ مضمون خالٍ من أيّ لقطة ذكية أو «قفشة» ظريفة تجعل المشاهد المناصر لأحد الأحزاب محل النقد، يضحك على المحتوى. فكما تعلمون، مناصرو الأحزاب بشر مثلنا مثلهم، خلافاً لما تقوله لنا الأبواق الإعلامية الموحدة هذه الأيام!
ثقل ظلّ لا يحتمل، تصنّع، وتوتّر في الأداء، وفقر خيال! إنّها لفكرة بليدة حقّاً تنطلق من العثور على تمساح نافق في بيروت، لتحقّر بلغة تعميمية المسؤولين بدءاً من «رأس التماسيح في لبنان» (مع صورة ميشال عون على الشاشة)، وقد أدخلت للمرّة الأولى صورة حسن نصر الله ضمن هذه الفسيفساء، وهنا بيت القصيد ومربض الفرس: كسر الرمز وما يمثّله بناءً على دفتر الشروط الخليجي، وهذا ما لم يفعله أحد من قبل. حاولت ديما صادق قبلاً بدون جدوى.
ربّما لم يسمع كثيرون بالبرنامج إلا قبل يومين، مع اشتعال موجة غضب عارمة لدى مناصري الحركة والحزب ضدّ ما سمّوه «استفزازاً» من قناة الخياط. المؤسف أنّ بعض الإعلاميين المحسوبين على هذا الفريق السياسي انجرفوا مثل روّاد مواقع التواصل إلى حملة مرفوضة (ومدانة بشدّة)، مثقلة بالنزعة العنصرية وبالاستسهال الذكوري. مما استدعى أيضاً رداً من الجديد أمس، استجلبت لأجله كامل الحقل المعجمي المتعلّق بعالم الحيوان! كأنّ المعايير ضاعت فعلاً بين «لغة سوشال ميديا» مفتوحة على كل أنواع البشر، وبين إعلام يفترض أن يكون مسؤولاً ذا أخلاقيات مهنية واضحة. ربما نسي القائمون على المحطة أنّ السخرية (وهي مطلوبة بقوّة) لا تعني الإسفاف والشعبوية، والوسيلة الإعلامية ليست مرحاضاً عاماً كما حال السوشال ميديا. على أي حال، الأخلاق صارت دقّة قديمة... ولو اختلفت المنابر بين محطة تلفزيونية ومرحاض افتراضي!