ليس سهلاً التأكّد من معلومة تتعلّق بـ «نقابة الصحافة» في لبنان، إذ لطالما شُبّهت تلك النقابة بـ «مغارة علي بابا» حيث يتستّر الجميع على أسرارها وخفاياها. فكيف إذا كان الخبر يتحدّث عن إلغاء بوليصة التأمين الصحي لمجموعة من المنتسبين إلى النقابة (تمثّل أصحاب الصحف والمجلات والمطبوعات)؟ الأمر عندها يحتاج إلى صولات وجولات للحصول على الخبر اليقين الذي يدلّ على الانقسام الحادّ (سياسياً، ومهنياً...) بين أعضاء النقابة. في هذا السياق، كان لا بدّ بداية من التحدّث مع نقيب الصحافيين عوني الكعكي للوقوف عند تفاصيل الخبر، بحُكم أن القرار الأول والأخير في قضية البوليصة يعود إليه. لكنّ الكعكي لم يجب على اتصالنا لينفي الخبر أو يؤكّده. كعكي الذي عُيّن في منصبه منذ عام 2005، لم يتواجد حتى في النقابة طيلة محاولات اتصالاتنا، ولا في صحيفة «الشرق» التي يرأس تحريرها، ولم يجبْ على الرسائل التي تُركت على هاتفه الخاص.
(إيفا بي ــ بريطانيا)

تعود قضية بوليصات التأمين، إلى ما قبل نهاية عام 2020 حين ارتفعت أصوات بعض المنتسبين (عشرات المنتسبين) إلى النقابة، على إثر قرار يُفيد بعدم تجديد بوليصة التأمين الصحي التي تنتهي في 24 كانون الثاني (يناير) الحالي. تلك البوليصة التي تتجدّد سنوياً في التوقيت نفسه، قد يُحرم منها هذا العام عدد لا بأس به من المنتسبين الذين اختاروا الحصول عليها لسنوات طويلة. فتح (بعض) المنتسبين إلى النقابة، هذا الملفّ الصحي في ظلّ ارتفاع كلفة الاستشفاء وجائحة كورونا، وحاجتهم إلى البوليصة بحكم تقدّمهم في السنّ. واللافت أنّ الآراء انقسمت حول تلك القضية، فبعضها ربطها بقضايا فساد تعجّ بها النقابة، فيما اعتبرها آخرون مجرّد «زوبعة» تقوم بها مجموعة من «المغرضين» بسبب اقتراب انتخاب مجلس نقابة جديد.
في هذا الإطار، تلفت المعلومات لـ «الأخبار» إلى أن صندوق ضمان أصحاب الصحف في النقابة، اتخذ قراراً بعدم تقديم الدعم الذي اعتاده كل سنة، إلى الراغبين في أعضاء النقابة بالاشتراك في بوليصة الضمان الصحي عبر intrust إحدى وكالات شركة «كمبرلاند» للتأمين وإعادة التأمين.
ربط بعضهم بين الخبر واقتراب انتخاب مجلس نقابة جديد


في المقابل، تشير المصادر إلى أن المطّلعين على الأمر، يُجمعون على أن السبب الرئيس وراء انعدام إمكانية مساهمة صندوق الضمان الصحي في دعم بوليصة التأمين الصحي، يعود إلى الهدر الكبير في أموال صناديق النقابة، إذ استُثمرت هذه الأموال في تجميل بنائها وبناء طبقات إضافية فوق البناء القديم. علماً بأن تجديد مبنى النقابة في منطقة الروشة، تطلّب مبلغ مليون دولار تقريباً. ويلفت المطلعون إلى أن الاتفاق على تجديد البناء، تمّ بطريقة ملتبسة تنطوي على كثير من الاتهامات بتصرفات تتجاوز الهدر. ويؤكد هؤلاء على أنّ خبر عدم تجديد البوليصة اتخذه عوني الكعكي وأعضاء المجلس، لكن لن يتم إعلام المنتسبين به، إلى حين انتخاب المجلس الجديد كي لا يؤثر القرار على الانتخابات، وكي لا ينعكس انخفاضاً في عدد المشتركين في الانتخابات.
على المقلب الآخر، تكشف المعلومات لـ «الأخبار» أنّ قرار إلغاء البوليصة لم يُبتّ به بعد، وبأنّ من أراده أن ينتشر إعلامياً يريد إثارة ضجة بسبب اقتراب موعد انتخاب مجلس نقابة جديد كان مقرّراً بداية العام الحالي وتأجّل بسبب جائحة كورونا ووفاة الصحافي أمين الصندوق في النقابة جورج بشير أمين.
في هذا السياق، يشرح أحد المنتسبين إلى النقابة رافضاً الكشف عن اسمه، بأن موضوع عدم تجديد البوليصة يكتنفه بعض اللبس، ولم تتفق النقابة عليه بعد. ويوضح أن تلك البوليصة كانت اختيارية أمام المنتسبين، مقابل مبلغ يدفعه صاحب العمل. هذا التأمين لم يتمّ إلغاؤه بعد، لأن الأمر يعود إلى أصحاب العلاقة أي المنتسبين الذين يختارون أو يرفضون البوليصة. ويؤكد المصدر أن مهامّ النقابة كانت منوطة بالحصول على عرض مناسب من قبل إحدى شركات التأمين فقط. ويتوقف المصدر عند وضع النقابة حالياً، قائلاً بأنها تمرّ بأزمة مالية حادّة، على إثر عدم تسديد أصحاب الصحف والمجلات، الاشتراكات السنوية، وسط غياب الدعم المادي من الخليج وتحديداً من الصندوق الكويتي الذي كان يخصّص سنوياً مبلغاً للنقابة. كما أن الصحافة الورقية تمرّ بأزمة وجودية، أدّت إلى إقفال عدد كبير من المطبوعات في الأعوام الأخيرة. ويفتح المصدر الباب على وضع الصحافيين ككل وليس على «نقابة الصحافة» فقط، مؤكداً أنه ما يجب الانتباه إليه ليس وضع أصحاب المطبوعات في نقابة الصحافة، بل الصحافيين في «نقابة المحررين» الذين يناضلون للحصول على حقوقهم، لأن أصحاب النقابات يملكون امتيازات صحافية، ولديهم صحف ووسائل إعلام وغالبيتهم أرباب عمل. أما الصحافيون في «نقابة المحررين»، فهم يسعون جاهدين للحصول على حقوقهم المهدورة.