مع الإنفجار الضخم الذي وقع أمس في بلدة «عين قانا» الجنوبية، والذي لم تتضح أسبابه حتى هذه اللحظة، ولم يُعلن عن رواية رسمية قطعية لحصوله، أثبتت غالبية وسائل الإعلام المحلية، مجدداً قصورها عن أداء عمل أقرب الى المهني إن سلّمنا جدلاً بصعوبة سيرها في المعايير المهنية المتبعة. فوضى عارمة انتشرت أمس، على هذه المنصات، التي أخذت تتلو كل خبر يصادفها، أو منشوراً على وسائل التواصل الإجتماعي، وتلقي به أمام أسماع المشاهدين، غير عابئة بنتائج تضارب المعلومات التي تسعى الى ترسيخها والتلاعب بالرأي العام من خلالها، وتنفيذ أجنداتها السياسية. غابت «المنار» أمس عن المواكبة أو حتى إيراد خبر عاجل على أسفل شاشتها، الى حين مرور أكثر من ثلاث ساعات على الحدث الجنوبي. هذا الغياب وما خلفه، سمح بفتح سلسلة تأويلات وتحاليل، لامس بعضها الخيال، ولم يكن صعباً أن نسمع أحد الصحافيين على شاشة mtv، يتحدث عن القرار 1701، وعن جنوب الليطاني، فيما المنطقة التي وقع فيها التفجير تقع في إقليم التفاح، وتختلف عن بلدة «قانا» وتمر هذه التحليلات والتهويلات مرور الكرام. حدث التفجير الجنوبي، الذي أعاقت معرفة أسبابه جملة أمور من ضمنها المسافة الجغرافية البعيدة نسبياً عن العاصمة، الى جانب الطوق الأمني الذي فرض عليها، ومنع الكوادر الصحافية من الدخول... شكل أرضاً خصبة لفتح المخيلة أمام سرديات متضاربة، أغلبها، كان يسعى الى الإقتصاص السياسي والتحريض، كما فعلت mtv. إذ وجدت الأخيرة امس، الفرصة سانحة، لتفتح هواءها لصحافيين ومحللين وسياسيين من خط سياسي واحد، للهجوم على «حزب الله»، الى جانب تبني المحطة رواية تفجير مخزن أسلحة تابع للمقاومة في عين قانا، وسلسلة أخبار أخرى استقتها من السوشال ميديا وراحت تذيعها من دون أخذ أي مسافة، كالقول بأن المبنى كان بداخله قياديان بارزان من الحزب، أو نقلها أخباراً عن «جثث متفحمة» خرجت من المبنى، وليس انتهاء بفبركة خبر نزوح أهالي البلدة بعيد التفجير. المشهد لم يكن بعيداً عن باقي القنوات المحلية، التي راحت تنقل عن «رويترز» بأن التفجير حدث في مبنى لتخزين الأسلحة وحصل جراء «خطأ تقني» أو أنّ الإنفجار وقع في منزل تابع لـ«حزب الله» وفرض الأخير طوقاً أمنياً، كما أفادت «الجديد»... الى حين وصول المراسلين الى البلدة، مع صعوبة الخروج بصورة من مكان قريب من التفجير، مع الإتكاء حصراً على الفيديوات التي نشرها الأهالي على السوشال ميديا. من ضمن هؤلاء آدم شمس الدين (الجديد) وادمون ساسين (lbci)، فيما غابت mtv، واكتفت بمهاتفة مراسلها جورج عيد، وتكراره للسرديات المتضاربة عينها، على الهواء.
باختصار، كنا أمس، أمام اختبار جديد للعمل الصحافي في لبنان وحتى في الإقليم، الذي يتكئ على ما يسميه «مصادر أولية» كما فعلت «bbc عربي»، وأكدت من خلاله أن التفجير طال مخزن أسلحة تابعاً لـ«حزب الله»، أو على «مصدر مقرب من حزب الله» أو على «مصدر غير رسمي في حزب الله»... طبعاً كلها تسميات لا تمت للعمل المهني بصلة، وتعزّز فكرة ترسيخ الفوضى وتمرير الرسائل السياسية من خلالها، فما بالنا إن ذهبنا أبعد وسمعنا مذيع otv، يتلو ترجمة من الإنكليزية الى العربية نقلاً عن «هآرتس» الإسرائيلية، في الساعات الأولى لتفجير عين قانا، لنتيقن أننا فعلاً أمام مأزق أخلاقي ومهني، وأرضية مشرعة على الفوضى والتلاعب بالرأي العام.