في أسبوع واحد ارتفعت عالياً ألسنة اللهب، ولأسباب مختلفة، في كلّ من سوريا ولبنان والأردن والعراق واليمن والمغرب ودول عربية أخرى. ومنذ أكثر من شهر انشغل العالم، ولا يزال، بنكبة بيروت بعد انفجار مرفئها الرهيب، ومؤخَّراً بكارثة فيضان النيل في السودان وغيرها. وسط «مشهدية» الحرائق هذه، أطلّ الثنائي الـ«يوتيوبرز» أنس مروة وأصالة المالح في احتفالية صاخبة وباذخة من أبوظبي للكشف عن جنس جنين مولودهما وتابعها الملايين حول العالم. «ايه، خير انشالله؟». هكذا حوّل كل من أنس وأصالة «حدثاً» عائلياً صغيراً إلى «حدث» عالمي وقضيّة «رأي عام» انقسمت الآراء عليها بين غاضب ومرحّب ولا مبال أصلاً. وأنس وأصالة ناشطان (ومؤثران؟) على وسائل التواصل الاجتماعي ويعرفان كيف «تؤكل الكتف» (بما في ذلك تحويل الحدث إلى مصدر للربح المالي). على أيّ حال، بدت مشهدية «أنسصالة» كأنها تحدث في عالم آخر. عالم منفصل تماماً عن محيطه المشتعل فضلاً عن انشغال العالم بمخاطر ازمة كورونا. من حيث المبدأ، فإن قيام شخص ما أو مجموعة أشخاص (من غير الذين يحملون صفة موظف او مسؤول رسمي) بالتعبير عن مناسبة خاصة هو مسألة حرية شخصية (بما يرافقها من صرف مبالغ طائلة)، وهذا يصحّ على حالة أنس وأصالة لو أنّ الزوج والزوجة والأهل احتفلوا بجنس مولودهم داخل منزل العائلة مثلاً، ودون أداء هذا الدور التمثيلي كما لو انهما يكتشفان «جنس الملائكة» لا جنس مولودهم القادم. أما وأنّ الحدث «المجيد» صار «بابليك» عبر مشاركة الآخرين- الملايين بالمناسبة وفي لحظة لا تحتمل كل هذا الترف بالنسبة لشعوب وعائلات كثيرة مستنزفة على مستوى منطقتنا، فهو أمر يستدعي حتماً أن يُرمَى الزوجان بأقسى عبارات النقد والادانة و«الغضب». و«احتفالية» أنس وأصالة هذه في دولة كدولة الإمارات ومدينة كـأبوظبي وبرج كـ«برج خليفة» الذي تحوّل إلى منصة دعائية عالمية لحملات التضامن الإنسانية لا يمكن فصله أيضاً عن «احتفالية» من نوع آخر تعيشها دولة الإمارات هذه الايام، وهي إعلان التطبيع الرسمي مع دولة الاحتلال الاسرائيلي عبر فعاليات ستتواصل تباعاً. هكذا إذاً تبدو الصورة بين «عالمين» في جغرافيا واحدة، في لحظة زمنية واحدة: أضواء «برج خليفة» في مجرّد مناسبة اعلان «اتس اي بوي»، على وقع قرع طبول التطبيع، مقابل أضواء حرائق (كوارث) متواصلة، مفتعلة وغير مفتعلة، تبدأ بسهول الغاب وتمرّ في مرفأ بيروت ولا تنتهي على ضفاف النيل في الخرطوم!