على وقع الفوضى المنتشرة التي تمسّ حياة اللبنانيين الإقتصادية والنقدية والمعيشية، تدور معركة أخرى، عنوانها هذه المرة الفضاء الالكتروني. إذ كلّف النائب العام التمييزي غسان عويدات يوم الاثنين الماضي، قسم المباحث الجنائية بملاحقة «هوية الأشخاص الذين عمدوا الى نشر تدوينات تتطاول على مقام رئاسة الجمهورية عبر مواقع التواصل الإجتماعي، بجرم القدح والذم والتحقير». قرار ما لبث أن أثار زوبعة على المنصات التفاعلية، علماً أنّه لا يعدّ جديداً في المضمون القانوني، فقانون العقوبات اللبناني يجيز ضمن بنوده هذه الملاحقات. لكن أسئلة عدة طرحت حول التوقيت، وأيضاً حول قضية الحريات على مواقع التواصل الإجتماعي، التي ما زالت خارجة على سلطة أي قانون واضح، ليصار اليوم الى إخضاعها لقوانين أخرى. حتى بات «المجلس الوطني للإعلام» يقحم نفسه فيها، وتحديداً في ما يتعلق بالمواقع الإلكترونية، من دون أن يتمتع بصلاحيات تجيز له منحها التراخيص، أو حتى حجبها كما حصل أخيراً. غليان مواقع التواصل الإجتماعي، لم يثن كثيرين عن انتقاد هذا القرار، والتخوف من ممارسات قمعية جديدة، تحيلنا الى «الدولة البوليسية» وتشوّه صورة العهد أكثر من اي شيء آخر. أمس، خرج الناشط ميشال شمعون، بعدما وقع تعهداً بعدم المساس بمقام رئاسة الجمهورية، وبعدما تجمع عدد لا يستهان به من رفاقه خارج «سرايا جونية» للمطالبة بإطلاق سراحه. ويبدو أن السبحة قد تكرّ لتطال مزيداً من الاعتقالات مع إشاعة أجواء على مواقع التواصل تصل الى حدّ الترهيب، والتخويف، تحت ذرائع شتى. وقد يكون بعضها مبرراً، كما حصل أخيراً، مع سلسلة الشائعات التي طالت العملة النقدية اللبنانية، والبلبلة التي أحدثها خبر وصول سعر الدولار الواحد الى سبعة آلاف ليرة، مما حرّك الشارع وأشعل احتجاجات طالت مناطق عدة في بيروت والشمال، ودفع «المجلس الوطني للإعلام» إلى الإقدام على سحب علم وخبر من بعض المواقع الإلكترونية التي «روّجت للشائعات حول سعر الدولار». طبعاً، ليست الخطوة قانونية، والمجلس يسعى هذه الأيام لتوسيع صلاحياته، ووضع يده على المنصات الإخبارية الالكترونية، من دون أن يجيز له القانون ذلك، مع التخوف حالياً من أن الأمر سيطال مواقع التواصل الاجتماعي! والمعلوم أن قانون الإعلام الجديد الذي ما زال حبيس أدراج مجلس النواب، يميز بين الناشطين على مواقع التواصل الذين لا يخضعون للمساءلة، وبين الوسائل الإعلامية التي تبث عبر هذه المنصات، فقد يتحرك القضاء بشأن ما تبثه هذه الوسائل من دون أن يندرج ذلك في إطار السجن للصحافيين أو إقفال الوسيلة الإعلامية. ومن المفيد هنا، التذكير بما حصل أخيراً في فرنسا. صادق البرلمان في منتصف الشهر الماضي، على قانون تجريم خطاب الكراهية على الشبكة العنكبوتية، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي. أمر اعتُبر نوعاً من الرقابة على الناشطين، فجاء قرار «المجلس الدستوري» امس انتصاراً لحرية التعبير، إذ أزال بندين يتعلقان بإزالة المنشورات التي تتضمن خطاباً للكراهية بسبب تعارضهما مع حرية الرأي والتعبير.