في الثامن من أيار (مايو) الحالي، أضيف إلى إنتاجات «نتفليكس» الأصلية مسلسل فرنسي ــ أميركي بعنوان The Eddy. ثماني حلقات تراوح مدّة كلّ منها بين 53 و70 دقيقة، تتبع قصة بسيطة تدور في باريس حول مالك نادٍ للجاز وفنان معتزل يُدعى «إليوت أودو» (الأميركي أندريه هولاند) يتورّط مع مجرمين خطرين بعد مقتل شريكه «فريد» (طاهر رحيم)، بينما يكافح من أجل حماية عمله وفرقته وابنته المراهقة «جولي» (أماندلا ستينبيرغ). هذه الأخيرة تعيش معه الآن بعد وقت عصيب مع والدتها في الولايات المتّحدة. وهناك منتج شهير مهتمّ بالفرقة التي لا تزال بحاجة إلى شدشدة أدائها للحصول على فرصة تسجيل الألبوم الأوّل.أوّل ما يثير الاهتمام في هذا العمل هو تولّي المخرج الفرنسي ــ الأميركي الحاصل على أوسكار داميان تشازير مهمّة الإنتاج بالإضافة إلى إخراج الحلقتَين الأوّليين. فهذا الاسم الهوليوودي البارز ارتبط بأفلام تدور في عالم الجاز، منذ أوّل ظهور له في الفيلم المستقل Guy and Madeline on a Park Bench في عام 2009، ثم Whiplash في 2014، يليه «لا لا لاند» قبل أربع سنوات.
وفي The Eddy (اسم نادي الجاز الباريسي)، تشازيل هو أحد القادة الذين يديرون الحلقات الثماني من وراء كواليس المسلسل المحدود (limited series) الذي يحمل توقيع الكاتب المسرحي والتلفزيوني المعروف جاك ثورن.
هنا، سحر الموسيقى يطغى على كلّ شيء. كيف لا؟ والأغنيات والمقطوعات الموسيقية ألّفها الأميركي غلين بالارد، الحائز ست جوائز «غرامي». العارفون في هذا المجال، يدركون أنّ بالارد ليس طارئاً على إنجاز قصص موسيقية للمسرح والشاشة. فحين تفشّى وباء كورونا حول العالم مثلاً، كان الرجل يعرض في برودواي مسرحية Jagged Little Pill فيما افتتح نسخة جديدة من المسرحية الغنائية Back to the Future في مانشستر.
منذ عام 2007، يعمل غلين على تأليف أغنيات The Eddy. «القصة في الواقع كانت رؤيتي الخاصة لأميركي في باريس في يومنا هذا، وما الذي تعنيه إعادة تعريف الجاز حالياً»، قال الفنان البالغ 67 عاماً في حديث إلى موقع IndieWire. وأضاف: «أظن أنّني كتبت 60 أو 70 أغنية بناءً على هذه الفكرة، كما أسّسنا فرقة أقامت عروضاً في لوس أنجليس... لكن الهدف من كلّ ذلك لطالما كان إنجاز مسلسل».
أراد بالارد، الذي يقسم وقته بين لوس أنجليس وباريس، التقاط مشهد الجاز المعاصر في العاصمة الفرنسية، المتأثّر بما يجري في عالم صناعة الموسيقى دولياً، و«الموجود في النوادي الحميمة في ضواحي متعدّدة الثقافات خارج المدينة المميزة التي اعتدنا رؤيتها على الشاشة». ما نراه في The Eddy ليس باريس التقليدية، أو الجوهرة التي عهدناها في الأعمال السينمائية والتلفزيونية. بل تلك المساحة المحيطة بها، أي الخط الفاصل بين الميسورين والفقراء. جميع الشخصيات عبارة عن موسيقيي جاز لا يمتّون إلى الأعمال التجارية السائدة بصلة، لذا هم مفلسون. في هذا المسلسل، محاولة واضحة لإظهار ما تمثّله باريس الآن بالنسبة إلى العديد من الأشخاص. تصوير نضال الفنانين، وما يدفعهم للعمل في فضاءات مثل The Eddy، يقع في صلب مصادر إلهام بالارد لكتابة الأغنيات التي حفّزت بدورها المنتج المنفّذ ألان بول للموافقة على المسلسل، وما استمع إليه جاك ثورن خلال ابتكار الشخصيات المحبوكة بإتقان.
في The Eddy، نتعرّف إلى هذه الشخصيات بطريقة واضحة. فهي مرسومة بعناية، وتتطوّر بأسلوب سلس ومنطقي يبرّر تصرّفاتها ويبيّن موقعها في الحكاية. تتعدّد اللغات المستخدمة بين الفرنسية والإنكليزية والعربية والبولندية، فيما يسجّل الأبطال أداءات تتنوّع بين المتقنة والآمنة. صحيح أنّ ظهور أندريه هولاند قد يشكّل مفاجأة إيجابية بالنسبة إلى كثيرين، غير أنّه من المفيد الإشارة إلى الممثلين المغاربة في هذا المسلسل، وعلى رأسهم الفرنسيان من أصول جزائرية، الزوجان طاهر رحيم (فريد) وليلى بختي (أميرة)، بالإضافة إلى التونسي ظافر العابدين (سامي) الذي يطل في الحلقتين الأخيرتين.
أخرج داميان تشازيل حلقتين وشارك في الإنتاج


لا يخلو The Eddy من المشكلات المتعلّقة بالأعمال التي تحاول المزج بين السينما والدراما التلفزيونية السينمائية، مثل الإيقاع البطيء والتكرار والرتابة (كما يحدث مثلاً في كل مرّة يتلقى فيها «إليوت أودو» مكالمة هاتفية غير متوقّعة من صديق في أزمة). على صعيد الحبكة، يحافط المسلسل الذي أُعلن عنه في 2017 على ثباته إلى أن تغوص الحلقات في جريمة قتل غير مقنعة بخيوط متناثرة بعيدة عن التشويق والإثارة. كل شيء قد تحتاج له السلسلة من الموت المفجع ــ كوسيلة لاستكشاف الحزن والتعامل معه وكوقود للانفجارات الشخصية ــ يمكن تحقيقه عن طريق استبدال مقتل «فريد» بأيّ نوع آخر من الموت غير المتوقع! إذ أنّ الحيرة تخيّم على المشاهد المرتبطة بهذه الحادثة الأليمة، من مشاهد الشرطة ومكالمات التهديد الهاتفية، الأمر الذي يهدّد الجمال والمتعة اللذين يحققهما المسار الآخر للأحداث على صعيد الموسيقى وصناعتها.
عندما تصل الحلقة الأخيرة إلى نهايتها المؤثرة، تولّد الكثير من الفضول. فربّما هناك المزيد، وقد يحصل The Eddy على جزء ثانٍ ولا يكون «محدوداً» في النهاية. خصوصاً أنّ شمل الفرقة التأم للتو، ومن الجميل أن نرى ما يمكنها فعله.
باختصار، إذا كنتم تأملون في الطاقة الإيجابية التي بعتثها أعمال داميان تشازيل السابقة في نفوسكم، لا ترفعوا توقعاتكم كثيراً. لكن من الأفضل أن تكونوا مستعدين لعروض جاز غاية في السحر والجاذبية!