ملفان حيويان سارا بالتوزاي في منتصف الأسبوع الماضي: فتح تحقيقات قضائية مع مدير «العمليات النقدية في مصرف لبنان» مازن حمدان، وعدد من الصرّافين، بشأن المضاربات التي تسببت في تدهور الليرة اللبنانية مقابل ارتفاع جنوني في سعر الدولار، والقضية الثانية، تتعلق بفتح ملف قديم-جديد، هو تهريب البضائع عبر الحدود السورية-اللبنانية. في التعاطي الإعلامي المحلي، بان من جديد، حجم التزوير وتضليل الرأي العام، من خلال لعبة التضخيم مقابل التحجيم التي سارت بين الملفين. منذ أسابيع، واسم حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة، يحضر بقوة على الساحتين السياسية والإعلامية، بعيد اطلاق رئيس الحكومة حسان دياب المساءلة بحق سلامة، ودعوته الى أن يصارح الناس بالوضع النقدي. وقتها، هبّت عواصف من كل حدب وصوب، وجندت منابر ومقدمات نشرات إخبارية وحتى مواقع الكترونية، للدفاع عن الحاكم، حتى أن mtv، جنّدت شاشتها وموقعها الإلكتروني لتغطية يومية لسلامة، في محاولة لدفع الإتهامات عنه. طبعاً، ملف تورط الحاكم، وحمدان، لم يعمّرا طويلاً في التغطية الإعلامية، سيما بعد تكشف تورطهما مع عدد كبير من الصرافين، في تدهور الليرة اللبنانية. ومع أهمية هذه القضية، ومساسها بمعيشة الناس وإفقارهم، فضّلت العديد من الشاشات تقزيم الموضوع، والتعمية عليه، لصالح فتح ملف التهريب عبر الحدود مع سوريا. من يراقب الإعلام اللبناني لا بد من أن يلحظ اللهجة المرتفعة حيال هذا الملف، الذي عمل على تضخميه وتصويره بأنه المسؤول الأول عن الأزمة الإقتصادية الحادة التي تزنّر البلاد. يوم الجمعة الماضي، خصصت mtv، جلّ مقدمتها الإخبارية للحديث عن ملف التهريب، واعتباره سبباً في إفقار اللبنانيين. كذلك فعلت lbci، في اليوم عينه، إذ استهلت نشرتها بايراد أسماء المهربين في الشمال، الذين يحظون بتغطية سياسية وأمنية، وكذلك على الحدود الشرقية، وجزمت بأن هؤلاء هم المسؤولون عن هدر اموال الخزينة من العملات الصعبة. أما «الجديد»، بخلاف lbci، وmtv، فأتت على ذكر التحقيقات مع الصرافين، والتحقيق مع مسؤول «الوحدة النقدية مازن حمدان، لكن من بوابة تحجيم الخسائر». اذ أوردت في مقدمة نشرة أخبارها، أن الإرتفاع الجنوني للدولار لم يتجاوز الثلاثمئة الف وسبعين ألف دولار، ولم «تتعد حركة الشراء والبيع عشرة ملايين دولار»، وهذا برأيها «لا يشكل حجماً للمضاربة». هكذا بجولة سريعة، يتبين حجم التلاعب بالرأي العام، لصالح أجندات سياسية واضحة، تتكىء على إغراق اللبنانيين، بضخّ المعلومات حول ملف التهريب الذي يشكل طبعاً جزءاً من المعضلة، لكنه لا ينسحب على المشهد الإقتصادي المنهار بالكامل، لصالح تخفيف من وطأة ما أظهرته التحقيقات القضائية المالية مع المتورطين، والأهم إبعاد سلامة عن كل هذا المشهد، إما بطرق الدفاع عنه، أو إسقاط اسمه من التداول.