على خلفية الجدل السياسي والإعلامي الذي أثاره المسلسل الرمضاني الخليجي «أم هارون»، واحتسابه ضمن الموجة التطبيعية مع الكيان الصهيوني التي تجتاح بعض دول الجزيرة والخليج العربي، تداول ناشطون عرب على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لقاء أجراه صحافي بحراني مع سيدة يهودية تُدعى أم جان. إنها امرأة يهودية تركية عاشت في مدينة البصرة العراقية في الثلاثينات من القرن الماضي، وتزوّجت من رجل هندي مسيحي. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، قررت العائلة الرحيل من العراق إلى إيران، ثم عادت لتقيم في البحرين. كان لدى أم جان ولدان توفيا، وبنت هاجرت إلى أستراليا، وعملت السيدة لسنوات في البحرين كقابلة. وفي أواسط السبعينات من القرن الماضي، هاجرت لتعيش مع ابنتها في أستراليا، وهي تتكلم العربية بشكل جيد وباللهجة البحرانية.حتى الآن، والجميع يؤكّد أن هذه السيدة يهودية، ولكنها هي ذاتها لا تذكر شيئاً عن ديانتها في اللقاء الذي أُجري معها. وهناك من زعم أنها هندية، غير أن التقرير الصحافي الذي نشرته جريدة «الوقت» (عدد 12 شباط/ فبراير 2006) حول هذه السيدة حسم الجدل تقريباً وأخبرنا أنها شابة تُدعى روث روزيز وهي أرمنية وليست يهودية، وقد هربت إثر حملات إبادة الأرمن في تركيا، واستقرّت في البصرة لتتزوج من شاب هندي يعمل في دائرة الصحّة التابعة لجيش الاحتلال البريطاني في العراق. وبعد انتهاء الحرب ومغادرة الأجانب للعراق، غادرت هي وزوجها إلى إيران ثم إلى البحرين لتستقرّ هناك، وهنا نعود إلى تكملة السيناريو السابق. ويبدو أنّ هذه الرواية أكثر قابلية للتصديق من غيرها لأنها موثقة بالأسماء والصور والتواريخ.
ومن المعروف أن وجود عوائل يهودية نادر جداً في منطقة الخليج العربي إلا في البحرين، وهي عوائل يهودية عراقية منها عوائل الخضيري ونون وروبين هي عوائل تجارية غنية. وفي الكويت عاشت عائلة يهودية عراقية اشتهر منها الموسيقيان الشقيقان صالح وداود الكويتي وهما من عائلة يعقوب أرزوني البصرية العراقية، ولم يبقَ من هؤلاء اليهود العراقيين في البحرين إلا ستة وثلاثون شخصاً. ولا يعرفُ إنْ كانت هناك عوائل يهودية قديمة أخرى في سلطنة عمان والإمارات أم لا. فلماذا لم يُذكر شيء عن هذه السيدة لو كانت فعلاً يهودية ضمن العوائل اليهودية الموجودة؟ ولماذا لم يُذكر شيء عن علاقتها بتلك العوائل؟
كل هذا يعني، أن المسلسل الخليجي «أم هارون»، هو مسلسل مفتعل وفارغ قصة وموضوعاً، والقصد منه الترويج للتطبيع مع الكيان الصهيوني على المستوى الشعبي العربي الذي استعصى على الصهاينة وأنظمة الخنوع والانحطاط العربية كما لا يخلو من النصب والاحتيال على المشاهد العربي وغير العربي.
إضافة إلى ذلك، فإخراج المسلسل ساذج جداً، ويعجّ بالأخطاء الفادحة والمضحكة كما كتب مدوّنون شاهدوا حلقاته الأولى (فالبنات يظهرن في هذا المسلسل متزينات ومن دون عباءات في الشوارع. والمدينة - الكويت - كأنها مناصفة بين مسلمين ومسيحيين ويهود، اللهجات مختلفة من كل حدب وصوب. في أحد المشاهد، يقول الأب عن ابنته إنه لا حجة لها الآن في قبول الزواج بعدما اشتغلت، فهل كانت البنات يعملن في سنة 1948؟ ابتهال الخطيب/ موقع «بي. بي. سي»). وطريف ما كتبه مالك العثامنة حول مشهد «يظهر فيه البائع اليهودي يبيع العَرَق كمشروب كحولي بدلاً من الحليب لأهل الحي من المسلمين. ففيه استغباء بائس وساذج، فمن يا ترى لا يميز بين العرق (وهو بلا لون كالماء) برائحته اليانسونية النفاذة عن الحليب الأبيض خفيف الرائحة؟ إلّا إذا كان العرق يباع «مكسوراً» وهذا طبعاً مستحيل» (موقع «الحرة»)!
وأخيراً، فليس من المستبعَد أن يكون هدف هذا المسلسل توريط الكويت وجرها إلى مستنقع التطبيع، فهي الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضته شعبياً ورسمياً باستثناء بعض الأفراد من أشباه المثقفين. وليس للكويت علاقات مباشرة دبلوماسية أو تجارية مع الكيان الصهيوني. يمكن القول إن هذا المسلسل عمل خليجي وعربي تطبيعي موضوعاً وتنفيذاً وليس كويتياً فقط: فهو من إخراج محمد جمال العدل من مصر، والمؤلفان علي ومحمد شمس من البحرين. ومن بين عشرات الممثلين والممثلات، نجد الغالبية من الإمارات ومنهم محمد الجسمي وعبد الحميد البلوشي، ومن السعودية عبد المحسن النمر وإلهام علي، وآخرين من جنسيات البحرين والأردن ومصر والعراق وعُمان، وقد تم تصويره بالكامل في دولة الإمارات، وتمويله وإنتاجه من «أم. بي. سي» السعودية وشركات أخرى منها شركة تملكها حياة الفهد نفسها. ويبدو أنهم استغلوا شهرة الفهد كنجمة فأشركوها هي وعدد قليل من الممثلين الكويتيين معها لتوريط الكويت وسحبها على السكة ذاتها: سكة التطبيع مع دولة العدو!