مع أن هذا هو وقت انقباض المحطّات التلفزيونية مادياً ومعنوياً، أي الوقت الأمثل لتتّخذ الحكومة اللبنانية قرارها المؤجّل مراراً بتعيين مجلس إدارة لتلفزيون لبنان، والبدء بنهوضه بعد توافر المال فيه، والعنصر البشري، للحلول محلّ «الآخرين» إذا أمكن، فإنّ الحكومات في عهد الرئيس ميشال عون في مكان آخر من حيث معالجة هذا الملف، ووزراء الإعلام بالتحديد هم المتّهمون بخنق هذه المحطة الوطنية المسمّاة تلفزيون لبنان. ففي حكومة الرئيس سعد الحريري، قرّر وزير الإعلام ملحم رياشي تعيين مجلس إدارة ومدير عام، وبدأ الاتّصالات وكاد ينجزها بإعداد الأسماء المطلوبة، حتّى أتى قرار رئيس «القوّات» سمير جعجع بوضع اليد على هذه التعيينات بعد صدور تعيينات كازينو لبنان التي لم ترضِه، وثم اخترع رياشي قصّة الترشيحات لموقع المدير العام (ليأتي بقريب منه) وهي لم تقنع أحداً لأنّها حُضّرت على عجل للتغطية على القرار «القوّاتي» بوضع اليد على التلفزيون، لا سيّما أنّ لجنة التحكيم كانت يومها الوزيرة عناية عزّ الدين (وزيرة التنمية الإداريّة) وهي لا تملك معطيات جدّية للحكم على مدير عام في التلفزيون. باختصار، توقّفت نتائج هذه الترشيحات في القصر الجمهوري لأنّ الرئيس اعتبرها «تفنكة» لا معنى لها (كما قالها حرفياً في مقابلة).
ثلاث سنوات بلا طعمة... وتلفزيون لبنان على قارعة الإهمال الكامل، حتى أتت حكومة ما بعد الانتخابات، لسعد الحريري وكان وزير الإعلام هو جمال الجراح. في أقل من شهرين كان الجراح قد ضرب تعيين مجلس إدارة للتلفزيون بعرض الحائط، وشكل لجنة بديلة مكانها، إلى جانب مكتبه في وزارة الإعلام، وبدأت اللجنة التحرك داخل المحطة انطلاقاً من أمرين مكتومين: الأول تعيين مدير برامج جديد بدلاً من حسن شقور، ومدير مالي بديل ريشار رشيد... وكانت هبّة صحافية عارمة دُعي فيها بطريرك الروم الكاثوليك إلى التدخل على اعتبار أن طائفة مدير تلفزيون لبنان هي الروم الكاثوليك... وقيل يومها إن الوزير الجراح تلقّى اتصالاً من القصر الجمهوري بوقف التغييرات في التلفزيون، والبدء بتحضير أسماء أعضاء مجلس الإدارة الجدد. وبالفعل تم ذلك. لكن ثورة 17 تشرين أطاحت بالحكومة وبأسماء أعضاء مجلس إدارة تلفزيون لبنان. وكانت الحكومة الجديدة، برئاسة حسان دياب، وجاءت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد. وكعادة كل الوزراء، زارت عبد الصمد مبنى التلفزيون وقطعت وعداً بتعيين مجلس إدارة خلال أيام، ثم انتهى الموضوع وسط انشغالات الوزيرة.
بوضوح تام: إنّ سبب تأخير تعيين مجلس إدارة ومدير عام لتلفزيون لبنان في عهد الرئيس عون، هم وزراء الإعلام أنفسهم من رياشي إلى الجرّاح إلى عبد الصّمد... فما أن يصل الوزير إلى مكتبه حتى يستحلي مدّ اليد على التلفزيون، فيستقبل إعلاميين واختصاصيين في أيّ مجال ويرسلهم لتقديم برامج في المحطّة ولا مكان لهم، ثم «يشيل ويحط» في المحطة على مزاجه وعلى قدر معرفته المحدودة، ويقرّر تقريب أشخاص واستبعاد آخرين حسب انتمائهم الطائفي... وكل ذلك بعنوان أنّه وزير الوصاية... وما دام هو كوزير يقوم مقام المدير العام ومجلس الإدارة، فيقرر وينفّذ أوامره على الإدارة والموظفين، فلماذا يأتي بمدير سيضطر أن يَعبُر (مهنياً ووظيفياً وبرامجياً) من خلاله... والعبور مباشرة أكثر راحة له؟
هكذا ضاع وسيضيع مجلس إدارة تلفزيون لبنان، ونام في جارور وزراء الإعلام، وآخرهم منال عبد الصمد، مع الأسف. على أمل الإفاقة من دون تأخير، يبدأ تلفزيون لبنان شهر الصّيام الذي يكون عادة مستنفراً في كلّ المحطّات، عالخبزة والزّيتونة.