شكّلت لحظة مقتل علاء أبو فخر في خلدة ليل الثلاثاء الماضي، لحظة مفصليّة يمكن الاتّكاء عليها في رصد الأداء التلفزيوني. الرجل الذي وثّق سقوطه على الأرض بكاميرا هاتف نقال على مرأى من طفله وزوجته، ولّد شحناً عالياً في الشارع وزاد من الغليان شعبياً. لكن كيف استُخدم هذا الأمر تلفزيونياً؟ الشاب حسين العطار، كان أوّل شهيد يسقط على طريق المطار لدى منعه أحد السماسرة من أخذ خوة من العائدين من المطار لقاء مرورهم. فما كان من السمسار إلّا أن أنهى حياته. لكن حسين لم يكنْ وقتها «شهيد الثورة» ولم يشيّع في «وسط بيروت»، ولم تتنقل صوره بين المناطق اللبنانية ويُعمل على تظهير هذا الأمر في لعبة التسويق والعواطف. يمكن الانطلاق من الحادثة الأليمة التي أصابت عائلة أبو فخر، للانتقال إلى ما يمكن تسميته «الثورة المتلفزة»، إذ تخطّت بعض القنوات اللبنانية دور الناقل والمجتزئ من الصورة، إلى صناعة الصورة مصحوبة بشحن عالٍ بفعل المؤثرات البصرية والإخراجية، يضاف إليها طبعاً العامل العاطفي الذي ولّده مقتل أبو فخر. ليلة الأربعاء الماضي، وعلى شاشتَيْ lbci و«الجديد»، عُرض ما يشبه الشريط السينمائي المشغول بحرفية، عندما انتقل جثمان أبو فخر إلى ساحة «رياض الصلح» ليشيّع «رمزياً» كما قيل. دقائق متلفزة معدودة حوّلت الواقعة إلى حدث تلفزيوني، عبر لعبة الكاميرات التي دارت أرضاً وجوّاً على وقع أغنية «أناديكم» لأحمد قعبور، فيما الدخان الملوّن متصاعد فوق رؤوس المتظاهرين. مشهدية فيها حرفية بصرية واضحة، مع اللعب على وتر مشاعر الحزن والأسى من خلال قطف لحظة غضب عارمة تتمثل بالموت والقهر.
لم يكن المشهد عفوياً، ولم يقتصر دور المحطات على النقل، بل كان ما يجري مفتعلاً ومقصوداً استُثمر لاحقاً وفقاً للمبدأ نفسه. ففي اليوم الثاني، كان لافتاً اكتفاء «الجديد» بنقل صورة واحدة من الشويفات، حيث الكاميرا مصوّبة على تابوت أبو فخر، تُظهر حجم الفاجعة في أوساط ذويه، من دون أيّ مراعاة أو احترام لخصوصية هؤلاء وحرمة الموت، ناهيك عن دخول العدسات لاحقاً إلى مكان العزاء واستصراح عائلة علاء القريبة، خصوصاً زوجته في لحظة حسّاسة ومؤثّرة. هذا إذا استثنينا تعرّض طفله ذي الـ 12 عاماً إلى كمّ هائل من العنف النفسي، بدءاً من مصرع أبيه أمام عينيه وصولاً إلى الضغط الكبير الذي تعرّض له خلال التشييع واستصراحه تلفزيونياً ووصف كثيرين له بأنّه «قائد الثورة».

ومن أبو فخر إلى جل الديب، المنطقة التي شهدت أمس الخميس كرّاً وفرّاً بين عناصر الجيش والمتظاهرين الذين أصرّوا على قطع الطريق. هناك، خرجت مراسلة mtv، جويس عقيقي، لتنقل ما يحدث على الأرض. وإذ بالمحتجين يرجونها إبقاء الكاميرا كي لا يتعرّضوا إلى «الضرب» من قِبل الجيش. وبعد دقائق قليلة، وعند اشتداد حدّة المشاحنات بين الطرفين، لجأت القوى الأمنية إلى استخدام العصي فأصابت أحد المحتجين على رأسه. هنا، حاولت عقيقي تصوير الشاب وإسعافه وسؤاله عن اسمه، وإذ بصديقه يناديها باسمها ويأمرها بالابتعاد. بعد ذلك، يستثار الشاب المصاب أمام كاميرا المحطة، ويخلع الضمادة التي وضعت على رأسه ويفقد أعصابه ويتحوّل إلى رجل شديد الغضب يقف من حوله رفاقه لمنعه من الإقدام على أيّ رد فعل. لم ينتهِ الأمر هنا، إذ يلجأ صديق المصاب إلى أخذ كمية من الدم ووضعها على يديه، ليقول أمام الكاميرا: «انظروا إلى هذا البطش». لاحقاً، تشاء المصادفة أن تجمع هذا الرجل بجويس التي تسأله عن الدماء الموجودة على يديه، متظاهرة بأنّها لا تعرفه ولم ينادِها باسمها قبلاً!
باختصار، إنّها لعبة الدماء والعواطف، تتحكم بالمشهد التلفزيوني، في تخطٍّ واضح للدور المنوط بوسائل الإعلام وتحوّله إلى صناعة الحدث «الثورجي» بدلاً من نقله.