ليل الإثنين -الثلاثاء، لم تستطع مراسلة «الجديد» حليمة طبيعة تمالك نفسها على الهواء. المراسلة التي بدا التأثر عليها بعد سماعها صراخات استغاثة، كانت متواجدة ضمن أجواء ميدانية صعبة، تزنرها الحرائق وروائحها المنبعثة من حولها. بكت طبيعة وأخبرت المشاهدين في رسالتها المباشرة، عن صعوبة ما تعيشه هناك، على الأرض، وطلبت المساعدة للمستغيثين. الرسالة الحيّة التي تحولت بعدها الى فيديو متداول بكثرة على السوشال ميديا، وعلى المحطة عينها في الترويج، فتحت أسئلة مشروعة حول الأداء المهني المطلوب في حالات مماثلة. نتحدث عن طريقة تعاطي المراسل/ ة على الأرض، إزاء أحداث مماثلة كالكوارث الطبيعة وغيرها. لا شك في أن المراسلة الشابة طغى عليها الانفعال العاطفي الإنساني، وهذا الأمر مطلوب وضروري للعاملين في الحقل المهني، وربما كانت الأسئلة تتجه أكثر الى مراسلين غير محليين مدّربين كفاية على طرق التعاطي مع هذه الأحداث، وتغليب المعلومة على حركة التعبير العاطفية. تتكرر اللقطات أو الرسائل الميدانية المشابهة وتلقى في عالمنا حفاوة عالية، كونها تعبّر عن تماس مباشر مع الناس، وخروج عن الصورة المألوفة للمراسل/ة. فعالمنا العربي تحديداً، مجبول بالعواطف والإنفعالات، ولا شك في أن التقارير المشغولة على هذا الوتر تلقى بدورها شهرة واسعة. فيديو مراسلة «الجديد» ينبغي لنا طبعاً تقدير ظرفه، وشعور المراسل بالعجز كونه يسمع أصوات استغاثة أناس تزنرهم النيران ولا معين لهم، لكن علينا في المقابل، تصويب العمل المهني للمراسل، في امساكه بلعبة الميدان مهما كانت الظروف. وقد نتهم هنا، بالتنظير، لكن، قواعد المهنة تقتضي رباطة الجأش، ومواجهة الصعوبات أياً كانت، لمراسل يعرف حقيقة مهمته والصعوبات التي قد تمرّ عليه. فلا ننسى على سبيل المثال، مراسل «الميادين» موسى عاصي، الذي لم يستطع قبل أعوام قليلة، اكمال رسالته، لدى تدفق اللاجئين السوريين الى البوابة الأوروبية والتعامل معهم بقساوة وتمييز عاليين. رغم الخبرة الطويلة لعاصي، الا أنه اعتُبر وقتها أن انسانيته طغت على رسالته المهنية، ولم يكن هذا الأمر مؤثراً على صعيد المهنة إذا ما قارناه برسالة طبيعة، مع وجود عوامل تتطلب نقل صوتها بطريقة أكثر تماسكاً، وطلب المساعدة المباشرة لهؤلاء السكان من دون انفعال وتأثر عاطفي. لعله من المناسب فتح نقاشات مهنية مطلوبة بعيداً عن السجالات القائمة على السوشال ميديا، تعيد الإعتبار الى القواعد المهنية، وتسمح للجمهور بالإستحصال على حقه في المعلومة وما يحصل في الميدان، مع التمسك بالمنحى الإنساني الخالص الذي يجمع خيطه مَن أمام الكاميرا مع مَن وراء الشاشة.