ضمن ما وصفته بـ «الدراسة الاستقصائية الأكثر تعمقاً في تاريخ المنطقة»، أطلقت bbc أخيراً نتائج دراسة أجرتها بالتعاون مع شبكة «الباروميتر» العربي البحثية، وشملت 11 بلداً عربياً (اليمن، ليبيا، الأردن، العراق، السودان، لبنان، الأراضي الفلسطينية، المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر) ضمن عيّنة عشوائية منتظمة في كلّ بلد (25.405 أشخاص تعدّت أعمارهم 18 عاماً). استطلاع ركز على قضايا متشعبة، اجتماعية وسياسية ونفسية، اندرجت ضمنه مواضيع: التدين، التدخل الخارجي، الهجرة، الاضطراب السياسي الخارجي، الصحة النفسية، مكانة المرأة، الجنس والتحرش، الشباب والوصول إلى المعلومات، والإعاقة. في مكاتبها في بيروت، أقامت الشبكة لقاءً مع الصحافة، حيث شرحت مديرة التحرير في «بي. بي. سي عربي»، نورما الحاج، نتائج الدراسة الميدانية، وتولى فريق الشبكة شرح هذه النتائج في باقي البلدان التي شملها الاستطلاع، إلى جانب كلمة ربيع الهبر الذي تولّت شركته «ستاتيسكيس ليبانون» استطلاع العيّنة اللبنانية في المدن والأرياف وشملت جميع الطوائف والفئات اللبنانية.
استثنت الدراسة دول الخليج وسوريا

من شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2018 لغاية شهر نيسان (أبريل) 2019، امتدت مدة الاستطلاع، فيما استغرقت كلّ مقابلة شخصية حوالى 45 دقيقة، عبر ألواح إلكترونية ضمّت خيارات مختلفة حول القضايا الآنفة الذكر، ضمن أسئلة مباشرة وأخرى غير مباشرة مرّرت في المواضيع التي تتمتع بحساسية عالية، كالتحرش والتدين. استثنت الدراسة دول الخليج، التي يبدو أنها حظرت هذا النوع من الاستطلاع داخل أراضيها. وقالت شبكة «الباروميتر» بأن ما حصل هناك هو نتيجة عدم «إتاحة الفرصة» للخبراء بالتواجد في المنطقة لما تفرضه هذه الدول من حظر، إذ تكتفي فقط بالدراسات والاستطلاعات التي تحصل في الداخل. كما استُثنيت من البحث سوريا، حتى بعد هدوء الأوضاع الأمنية هناك، «حفاظاً على سلامة الفريق». اندرجت ضمن الاستطلاع أسئلة عامة، وشمل عناوين فرعية، قد لا تدخل مباشرة في صلبه، أو تكون على علاقة وثيقة به منطقياً، كالحديث عن تراجع أعداد غير المتدينين في البلدان العربية بعد عام 2011 (سجلت تونس أعلى نسبة تبعتها ليبيا والجزائر، وكان لافتاً حضور اليمن في ذيل القائمة إذ ضمّ نسبة متدينين عليا)، والحديث بعدها عن تراجع تأييد ما أسمته الدراسة «الحركات الإسلامية»، إذ وضع «حزب الله» إلى جانب «الإخوان المسلمين»، و«حركة النهضة». وتبيّن في الاستطلاع، تراجع تأييد «الإخوان» في مصر، إضافة إلى تراجع حركة «النهضة» في تونس. هنا، يمكن ربط مسألة التدين أو الولاء الديني بالقيادة الحزبية الدينية. لكن في استطلاع «التدخل الخارجي»، برز رجب طيب أردوغان، كـ«قائد» يؤيّده غالبية المستطلَعين، ويرون فيه رجلاً يمثلهم. طغت شعبية الرئيس التركي ـ المفترض أنه يندرج ضمن خط «الإخوان المسلمين» ـــ في الجزائر، والأراضي الفلسطينية المحتلة (غزة والضفة الغربية)، والعراق واليمن. هؤلاء وجدوا قبولاً في أردوغان، وفي تدخله في العالم العربي، فيما صبّ تركيز المستطلعين في لبنان، ليبيا ومصر على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب تراجعاً عالياً في تأييد سياسته وتدخلاته في المنطقة العربية. شعبية أردوغان المرتفعة، لا يمكننا ربطها بنهجه السياسي ـ الديني، إذا ما أخذنا بنتائج تراجع تأييد الحركات الإسلامية. هنا، تدخل عوامل أخرى في تمتع الرئيس التركي بهذه الشعبية، تخرج عن الطابع الديني، وتتركز أكثر في سياسات أخرى، ينتهجها ويبدو أنها تعجب غالبية المستطلعين. ضمن استطلاع التدخل الخارجي، برز عنوان فرعي متعلق بالنظرة إلى «إسرائيل» على اعتبارها «مصدر التهديد الأكبر». وكانت النتائج هنا مفاجئة. إذ رأى العراقيون مثلاً، أن الولايات المتحدة تشكّل التهديد الأكبر (45 %)، تليها «إيران» (31 %)، و«إسرائيل» (21%). كذلك، ذهبت وجهة اليمنيين نحو إيران كمصدر تهديد تلتها «إسرائيل»، فيما سجلت السعودية نسبة 14% فقط. علماً أن الأخيرة تشنّ منذ أربع سنوات عدواناً على أراضيها وتبيد شعبها ومقدراتها الاقتصادية!
حديث عن تراجع أعداد غير المتدينين بعد عام 2011


في اليمن الذي سجل نسبة عالية من التدين، ثبت المستطلعون داخله، جذورهم في البقاء في بلادهم، رغم العدوان السعودي الدائر هناك. وفي ما خصّ موضوع الهجرة، حظي اليمن بنسبة عالية جداً من الرافضين للهجرة والمتفائلين بالغد وبمستقبل أفضل رغم سوء الأحوال، في مقابل الأردن التي مالت عيّنتها إلى طلب الهجرة (نسبة الشبان أكثر من النساء)، بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية الخانقة هناك، تلاها المغرب، الذي يعاني من نسبة مرتفعة من البطالة (16%). لعلّ الوجهة الأساسية للهجرة صبّت في الخليج (لا سيما من مصر)، وبعدها أوروبا رغم حوادث قوارب الموت في المتوسط، ورأى فيها المستطلعون بلاداً آمنة لمكوثهم. وفي موضوع المرأة، كان لافتاً هنا النظرة إليها، ففي وقت أيدّ معظم المستطلعين وصولها إلى مراكز سياسية مهمة، رفضوا بأن يكون لها الكلمة الفصل في الأسرة، بل ترك هذا الأمر للرجل! أمر يظهر تناقضاً واضحاً في العقلية المتحكّمة بهؤلاء الذين يقبلون موضوع المثلية الجنسية مثلاً! أما في موضوع التحرش، فكان لافتاً هنا تسجيل العراق النسبة الأكبر من الرجال الذين يتعرضون للتحرش أكثر من النساء. ربما، يمكن إدراج الإفصاح عن التعرض للتحرش ضمن الأمور الأكثر حرجاً وخوفاً عند النساء، ما يجعل كفة البوح بالتعرّض للتحرش عند الرجال هي الأعلى. نتائج هذه الدراسة ستوظّف ضمن خطة BBC البرامجية، والإعداد لمشاريع تلفزيونية تفتح النقاش حول توجّهات الشارع العربي وفق ما قالت لنا مديرة التحرير نورما الحاج. وبالطبع لو أنها شملت بلدان الخليج وسوريا، لكنّا أمام نتائج مختلفة نسبياً، في ما خص القضايا المطروحة، والتي يمكن أن تبنى عليها ايضاً، اتجاهات جلّ الشارع العربي.