أُوقف بث الأخبار والبرامج السياسية في إذاعة «صوت الشباب» في سوريا يوم 16 أيار (مايو) الماضي. الحجة كانت هزيلة كما شعار «ساعدونا لنكون أحسن» الذي اعتمدته القنوات السورية أخيراً. شعر المحرّرون بالغُبن، فبعضهم شهد إغلاق قناتي «عروبة» و«تلاقي» وإذاعة «صوت الشعب» قبل أن يحين موعد «صوت الشباب». واليوم، على هؤلاء أن يحزموا أمتعتهم وينتقلوا مجدداً، إما بالنزول طابق إلى الأسفل أو الصعود طابق إلى الأعلى في «مبنى الهيئة العامة للإذاعة» في دمشق المغلق على 5000 آلاف موظف.لم تكن «سنا»، وهي «محررة أخبار»، حزينة على ترك الإذاعة، بل حزينة على فقدانها التعامل مع مدير أخبار «صوت الشباب» حمدان كوسا. فهو لم يكن مديراً كما قالت، وإنّما رجل حقيقي يصف طريقته المختلفة في التعامل مع الموظفين بالقول: «الوطني الحقيقي هو الذي يعتبر مشاكل الجميع مشاكله وفرح الجميع فرحه». تحت ظل هذه العبارة، أمضى فريق الأخبار سنوات من العمل معه لم يشعروا فيها كما قالوا بممارسة سلطة أو سطوة مدير، ولم يختبروا لغة التهديد والوعيد.
في «إذاعة دمشق»، يستقبلك مدير أخبار من نوع آخر، ذاك الذي يُدخلك في رُهاب البصمة والدوام على الثانية. تُحدّثه عن عملك الصباحي المحكوم أيضاً بدوام بصمة، فيجيبك: «هذه مشكلتك». تحاول أن تحدّثه عن طبيعة الإعلام المختلفة في محاولة للحصول منه على تنازل عن دقائق عدّة، لكن لا جدوى. وسط هذا الجو، تشعر أنك بحاجة إلى أوكسجين. تبحث في الذاكرة عن «سوريانا»، الإذاعة التي سميت «مشروعاً» عندما ولدت من فكرة ونصيحة وشغف، فصنعت من شريط مهمل صوتاً للأمل (شعار الإذاعة)، قبل أن يغادرها وضاح الخاطر مديرها السابق أو الأصح قبل إقالته. لمن عرفه، كان الخاطر مديراً على من يحاول التدخل في مشروعه أو النيل منه، لكنه لم يكن مديراً على الموظفين. للمرّة الأولى في تاريخ الهيئة، كان موظفو إذاعة «سوريانا» يتقاضون مرتباً أعلى من ذلك الذي يحصل عليه المدير نفسه، على عكس السائد في الهيئة حيث يضطر الموظف للعمل في أكثر من مكان ليحصل على «سقف بوناته». وهذا طبيعي جداً برأي مدير «سوريانا» السابق، إذ أنّ «هناك أشخاصاً كانوا يعملون أكثر من عشر ساعات بجهد وإخلاص ولديهم برامج يومية، واستحقّوا مرتباً أعلى مني واستحقّوا المكافأة وحتماً لن أكافئ نفسي». لا يخفي الخاطر اختلاف الجو الذي كان سائداً في زمن إدارته للإذاعة. «وزير الإعلام المرحوم عمران الزعبي والمدير السابق للهيئة رامز ترجمان خلقا جوّاً مثالياً للعمل بالنسبة لي كونهما لم يتدخلا في عملي... كانت هناك صلاحيات».
ماهر الخولي مدير قناة «تلاقي» قبل الإغلاق، وهيثم حسن مدير الفضائية السابق قبل إقالته، ووضّاح الخاطر مدير «سوريانا» السابق قبل إقالته، وحمدان كوسا مدير أخبار «صوت الشباب» قبل إغلاق القسم، وعلاء عيد مدير البرامج الحالي في «سوريانا»... مبعدون عن إدارة الإعلام لصالح مدراء مولعين بالتضييق على الموظفين كما على الخبر حتى انقطاع النفس وانعدام الروح والمعنى والهدف والرؤية. بعد كل هذا، يأتي من يطرح شعار «ساعدونا لنكون أحسن»!