القاهرة | سواء كانوا أناساً بسطاء عاديين، أو ضباط شرطة من الأبطال، أو أشراراً عتاة في الإجرام، فإنّ الكثير من شخصيات مسلسلات رمضان هذا العام مثيرون للشفقة والرثاء بشكل عام، على الأقل خلال الحلقات الأولى التي تتفنّن في استخدام كل الوسائل البصرية والسمعية المتاحة لاستدرار دموع المشاهد وتعاطفه مع هؤلاء الشخصيات... وربما تمهيداً للتحول الذي ستشهده هذه الشخصيات باتجاه القسوة والعنف والانتقام.أحمد السقا في «ولد الغلابة»، ومحمد رمضان في «زلزال»، ومحمد عادل إمام في «هوجان»، ومصطفى شعبان في «أبو جبل»، وغادة عبد الرازق في «حدوتة مرة»، ودينا الشربيني في «زي الشمس»، ومصطفى خاطر في «طلقة حظ» هم نماذج واضحة، وإن لم تكن الوحيدة.
البطل «الغلبان» الذي يتحول إلى «سوبرمان» ثيمة لطالما لعبت عليها الميلودراما المصرية من أيام فريد شوقي، كما نرى مثلاً في فيلميه الشهيرين «رصيف نمرة 5» و«الفتوة».
ومثل «فتوة» فريد شوقي، يلعب محمد عادل إمام شخصية شاب ذي قدرات بدنية خارقة، لكنه طيب وساذج إلى درجة «الهبل». يستغرق المسلسل معظم الحلقات الأولى لرسم ملامح الاستغلال والظلم والبؤس التي يتعرض له هوجان، حتى إنه يطرد من الحارة على يد أشرارها ويجوب الشوارع بلا مأوى يبحث عن لقمة تسدّ جوعه ورصيف ينام فوقه. كأن كل هذه المشاهد لا تفي بالغرض، فإنّ صناع العمل يأتون بالمغني الشعبي طارق الشيخ، المعروف بأغانيه الحزينة المبكية، لأداء أغنية بعنوان «عيني عليك يا جدع»، على «فوتومونتاج» لمشاهد هوجان البائس هائماً على وجهه... إلى أن يلتقي بامرأة «بنت بلد» قوية (أسماء أبو اليزيد)، تؤويه وتحتضنه وغالباً ستلعب معه الدور الذي لعبته تحية كاريوكا مع فريد شوقي في «الفتوة».
في «ولد الغلابة»، يؤدي السقا دور مدرس صعيدي فقير يعمل على سيارة أجرة بعد أوقات العمل، وهو يتعرض لكل أنواع الظلم من الظروف الاقتصادية السيئة، وأيضاً على يد عصابة أشرار من تجار المخدرات الذين يحكمون البلد. هذا الظلم لا يقتصر على السقا، لكنه يطال أيضاً الشخصية النسائية الرئيسية، مي عمر، التي تزوجها زعيم القرية المجرم خداعاً وغصباً، ويعتدي عليها بالضرب كل حلقة... هذه العصابة نجحت في توريط السقا لنقل شحنة مخدرات، وتواصل الضغط عليه لإجباره على مواصلة طريق الإجرام.
في «زلزال»، لا يكتفي القدر بالكوارث الطبيعية، ممثلة بالفقر أو الزلزال الذي يهدم بيت محمد رمضان ويودي بعائلته، لكنه يتعرض للسجن ظلماً على يد الشرير، ماجد المصري.

دينا الشربيني في «زي الشمس»

والسجن ظلماً هو المصير الذي يتعرض له كثير من أبطال المسلسلات خلال الحلقات الأولى على رأسهم ياسر جلال في «لمس أكتاف»، الذي يُتّهم بقتل أحد المارة بسيارته عندما يتوقف لمحاولة إنقاذ شخص مصاب. ظلم يتعرّض له كثير من المواطنين المصريين، إذ يقضي القانون باعتقال الشخص الذي يوجد بصحبة مصابي الحوادث، حتى لو كانوا يحاولون إنقاذهم، ما يجعل الناس يهربون من مواقع الحوادث، على عكس القانون الفرنسي مثلاً، الذي يقضي بعقاب الشخص الذي يرى حادثاً على الطريق ولا يتوقف لإنقاذ المصابين!
لا يقتصر الأمر على الرجال، إذ تتعرض ياسمين عبد العزيز، زوجة ضابط الشرطة الذي يقتل على أيدي مجرمين، للظلم هي أيضاً. تُتّهم بقتل ضابط آخر، وتودع السجن ثم يتم خطف بناتها في مسلسل «لآخر نفس». أما غادة عبد الرازق في مسلسل «حدوتة مرة»، فتُسجن عندما تقوم بإهالة التراب على حفل زفاف كبير القرية الذي كانت تحبه وتخلى عنها بعدما حبلت منه.
ويتفنن «حدوتة مرة» في مشاهد موت أطفال غادة أو «مرة»، وتشييعهم ودفنهم بالحركة البطيئة والموسيقى الحزينة الزاعقة على مدار حلقة كاملة، قبل أن نكتشف أنهم لم يموتوا حقاً، وأن مرة خططت لبيع أبنائها وقتل زوجها...كل ذلك على ما يبدو لأنها قضت ليلة في الحبس ظلماً!
حظّ مصطفى شعبان في «أبو جبل» أسوأ من غادة، لأنّ أطفاله الثلاثة يقتلون بالفعل على يد الأشرار. حدث جسيم يمثل مناسبة ممتازة للتفنن في إبداع المشاهد العاطفية المبكية على مدار حلقة كاملة. ولا يكتفي «حدوتة مرة» و«أبو جبل» ولا كثير من المسلسلات الأخرى بهذه المشاهد، بل يعيدان تقديمها بكل الأشكال من خلال مشاهد الـ «فلاش باك» أو الأحلام أو الهلاوس السمعية والبصرية التي تتعرض لها الشخصيات.
حتى أمير كرارة، أو سليم الأنصاري، البطل الفولاذي لسلسلة «كلبش» يبدأ الموسم الثالث له عبر حلقات عدة لا هدف لها سوى إثارة الشفقة على البطل الذي قتلت زوجته العام الماضي، وتبدأ الحلقات الأولى هذا العام بابنه الوحيد طريح الفراش في غيبوبة صعبة نتيجة محاولة القتل التي انتهى بها الموسم السابق.
رجل الشرطة الذي يكافح الإجرام لأسباب «شخصية» نموذج هوليوودي عاشت عليه السينما الأميركية لسنوات. وللأسف، اقتحم مجال الدراما المصرية بقوة خلال السنوات الماضية. وهذا العام، يضاف إلى أمير كرارة في «كلبش»، وياسمين عبد العزيز في «لآخر نفس»، محمد ممدوح في «قابيل»، حيث يلعب دور ضابط شرطة تعرضت زوجته للقتل على يد مجرم تم إبراء ساحته، يعود للخدمة بعد فترة نقاهة من الصدمة التي تطارده مشاهدها في الأحلام.
ولا يقتصر الظلم الذي يتعرض له الأبطال على مسلسلات «الاكشن». إذ تتعرض دينا الشربيني في مسلسل «زي الشمس» لخيانة مزدوجة من خطيبها وأختها، والمشهد الذي تكتشف فيه دينا هذه الخيانة ورد فعلها الباكي تحوّل إلى ظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، باعتباره دليلاً على الأداء التمثيلي الرائع للشربيني. أمر يدعو للتوقف أمام ملحوظة عامة هي أنّ مخرجي هذه الأعمال يهتمون بالمشاهد «المؤثرة» أكثر من اهتمامهم بالبناء والمنطق الدرامي ورسم الشخصيات. مشهد دينا الشربيني مثلاً كان يحتاج إلى مخرج يبذل جهداً في إعداد الممثلة لتؤدي دور المرأة المضروبة بالخيانة من أقرب الأقربين «داخلياً»، وليس فقط من خلال أداء خارجي مجوف، ولكن سامح عبد العزيز مخرج «زي الشمس» لا يعرف عنه الاهتمام بدواخل الشخصيات وتراكيبها المعقدة كثيراً.
الأمر نفسه أوضح في مسلسل «حدوتة مرة»، حيث نفاجأ بالتحول الذي حدث لشخصية «مرة» من شخصية طيبة منكسرة تعشق أطفالها ولا تطيق أن تسمع كلمة عن «بيع أحدهم»، لتتحول في الحلقة التالية مباشرة إلى امرأة تبيع أطفالها الثلاثة وتقتل زوجها بدون مبررات مقنعة، أو غير مقنعة.
أخيراً، حتى مصطفى خاطر، المصنف ككوميديان وينفرد للمرة الأولى ببطولة مسلسل «طلقة حظ» الذي يفترض أنّه كوميدي، ضاعت حلقاته الأولى كلها في تصوير تفاصيل البؤس والظلم الذي يتعرض له البطل «عبد الصبور» بشكل يثير الرثاء ولا يثير أي نوع من الضحك أو الابتسام. هل لكل هذا الظلم والبؤس معنى في بطن الشاعر، أو البيئة التي يأتي منها الشاعر؟ سؤال نترك إجابته لفطنة القارئ!

*«ولد الغلابة»: 21:00 بتوقيت بيروت على «mbc مصر»
*«زلزال»: 22:30 بتوقيت بيروت على dmc، و18:00 على «dmc دراما»، و22:30 على mbc1، و1:00 على «mbc العراق»
*«هوجان»: 23:30 بتوقيت بيروت على «الحياة»، و1:00 على «الحياة دراما»، و22:00 على «أبو ظبي»
*«أبو جبل»: 22:30 بتوقيت بيروت على ON E، و00:00 على «ON دراما»، و22:00 على «دبي»، و23:00 على «osn يا هلا الأولى»
*«حدوتة مرّة»: 23:00 بتوقيت بيروت على «النهار»
*«زي الشمس»: 23:00 بتوقيت بيروت على «mbc مصر»
*«طلقة حظ»: 19:45 بتوقيت بيروت على «dmc دراما»، 19:40 على on، و21:00 على «cbc دراما»، و1:00 على «الحياة»
*«كلبش 3»: 21:00 بتوقيت بيروت على on، و15:00 على mbc4