«غزوة شباط الثانية» عنونت «الجديد» مقدمتها أمس. هي المرة الثانية، التي يتزامن فيها الإعتداء على المحطة، في شهر شباط، وهذه المرة جمع الإعتداءين المخرج شربل خليل. فقبل عامين، قام مناصرو «حركة أمل»، بتطويق المبنى (على مدى ساعة ونصف الساعة)، وموظفيها، ورمي قنابل المولوتوف، على خلفية «اسكتش» هزلي عرض في برنامج «دمى قراطية»، واتهم وقتها بالإساءة الى قضية الإمام موسى الصدر. فجر الجمعة الفائت، ألقى شاب باتت هويته معروفة، قنبلة يدوية على المبنى، وخلّف أضراراً مادية. قام بذلك، إعتراضاً أيضاً، على اسكتش عرض يوم الخميس الماضي، في برنامج «قدح وجم»، لشخصية «ابو القعقاع»، واعتبرت «إهانة للمشايخ الدروز». الإسكتش، الذي جسدت فيه هذه الشخصية المتخيلة، كانت ترتدي زياً يشبه «مشايخ الموحدين الدروز» (شروال، وقلنسوة رمادية اللون) وتحمل صورة وليد جنبلاط على صدرها. طبعاً، خلاصة المشهد التمثيلي الهزلي، تحمل في طياتها رسائل سياسية واضحة، إذ تطلب «شفيقة» من «أبو قعقاع» (فادي شربل) بأن يأتي الى بيتها ويقتل الأفعى التي تخيفها. وبعد سلسلة مواقف تنم عن شجاعة وجأش، واستذكار «مآثر» ومعارك أكان في الحرب الأهلية أو بعدها، نجد أن «أبو قعقاع» يتمدد أرضاً ويصيبه الخوف، ويطلب من «شفيقة» بأن تجلب له «حفاضاً»، للدلالة على صعوبة حالته النفسية. طبعاً، الجاني حظي كما بات الجميع يعلم، بحصانة سياسية. فقد خرج جنبلاط أول من أمس، ليقول بأن «المُرتكب موجود. أنا بشوف الظرف المناسب وبسلّمو»، ضارباً بعرض الحائط كل ما بقي من اسم للدولة أو للقضاء وللمحاسبة، ومشرّعاً بذلك، كل احتمال للإعتداء على أي وسيلة إعلام، وتغطية الجناة. صحيح أن المشهدية قاتمة، بشأن ما وصلت اليه البلاد منذ سنوات وليس اليوم بالتحديد، من استسهال في الإعتداء على وسائل الإعلام، كتسجيل للاعتراض على مضامين ما تعرضه، عدا التغطية السياسية التي يلقاها الفاعلون، المعروفون بالاسم والهوية. لكن، يسجل لشربل خليل، بما حصل أخيراً، أن «سهام» حلقاته منذ تواجده في lbci، طالت أغلبية الشرائح الدينية والطائفية في لبنان. من «الشيعة» الى «السّنة»، فـ «المسيحيين» واليوم «الموحدين الدروز». لا أحد ينسى، عام 2006، عندما احتج مناصرو «حزب الله» على تقليد شخصية السيد حسن نصر الله، في برنامج «بس مات وطن» على lbci، هؤلاء نزلوا بعد سبع سنوات، مجدداً، إحتجاجاً على تقليد «سيد المقاومة»، في البرنامج عينه. أما «حركة أمل» فكان لها نصيب، قبل عامين، وقام مناصروها بتطويق وتحطيم وحتى احراق ما استطاعوا الوصول اليه أمام مبنى «الجديد». عام 2013، احتج هذه المرة «المسيحيون» على تقليد شخصية البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير في «بس مات وطن» (lbci). وبعد عامين، وفي أوّج تصاعد الحركة «الداعشية»، فتحت النيران مجدداً على خليل، بعد نشره على تويتر صورة لامرأة تجلس على سرير ملفوف بعلم «داعش» (تجسيد جهاد النكاح)، مما اعتبر إساءة للإسلام ولعبارة «لا اله الا الله»، وتدخل وقتها المفتي عبد اللطيف دريان. ولا أحد ينسى أيضاً، الاسكتش الذي منع عرضه على شاشة lbci، عندما أراد المخرج اللبناني، تجسيد شخصية «الأسير» ومجموعة نساء منقبات من حوله.
وبهذا، يكون شربل خليل قد «أتم واجباته» مع كل الأطياف السياسية والدينية في لبنان. في بلد، قد يختلف فيه أهله حول فن السخرية والهزل، وتوضع الخطوط الحمر، ما إذا مسّت المضامين برجال الدين أو الساسة، أو شخصيات دينية حتى المتخيلة منها. قد لا نتفق في بعض الأحيان مع الرسائل السياسية أو حتى الإجتماعية لشربل خليل، لكن هذا لا يمنع بأن الدائرة باتت بهذا القدر من تضييق الخناق، واستخدام العنف والقوة، في وجه الفكرة وتجسيدها تلفزيونياً. يضاف اليها طبعاً، الغطاء السياسي المتوافر دائماً لمرتكبي أعمال التخريب والإعتداء.