أفاقت «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون» في سوريا قبل أسابيع على فكرة انطلاقة برامجية جديدة، وتغيير شكلي ولوني وعلى صعيد الشارات والفواصل واللوغويات! وبالفعل، أعلنت المحطات تلك الإنطلاقة في ساعة الصفر، من خلال بث مباشر ربط بين استديوهات غالبية القنوات الرسمية، لتتبدّل بعدها شعارات جميع المنابر بشكل فني اعتمد على الياسمينة الشامية، إضافة إلى تغيير في اللون الظاهر على الشاشة. في ما بعد، بدت معظم البرامج كأنها اجترار لكل ما سبق تقديمه وفق المنظور ذاته، والصيغة عينها، من دون بذل جهد فعلي نحو تجديد رشيق أو تعاطي مختلف مع المادة الإعلامية ومحاولة جذب المشاهد المحلي على أقل تقدير، وبناء جسور ثقة معه، خاصة أنه منذ زمن طويل انصرف نحو القنوات العربية الأكثر حيوية. ربما كان برنامج «شغل شباب» (سومر إبراهيم، كرم الشعراني، مؤيد الخرّاط، يامن سليمان، كل يوم جمعة على «سوريا دراما») هو الوحيد الذي حاز تنويهات بعض المتابعين على الفايسبوك، من دون أن يحظى حتى هذا البرنامج بمساحة دعائية كافية تزيد عدد المتفرّجين. وكانت الكارثة الحقيقية في إسناد الفترة الصباحية لعماد جندلي كمشرف على ساعات البث الاستهلالية. إذ أنّ تجربة جندلي مع الإعلام الرسمي وسمت بالفشل بعدما قدّم برنامج «كلام كبير»، وحقق رقماً قياسياً بكمّ الانتقادات اللاذعة بسبب تقليده الممجوج والباهت لبرنامج عادل كرم «هيدا حكي». ومن ثم خرجت إلى العلن شكاوى فريق الإعداد بخصوص عدم حصوله على حقوقه المالية. والنتيجة كانت متوقعة بتوقيف البرنامج قبل الإنطلاقة الجديدة، وتكليفه من جديد بالإشراف على الفترة الصباحية. ويبدو أن جندلي اشتغل بطريقة إنقلابية جذرية على قواعد الإعلام السوري الرسمي، لكن وفق ما تعلّمه نظرياً من الشكل السطحي الذي يعتمده جزء من الإعلام اللبناني، معتقداً بأن المفردات العصرية للإعلام تقتصر على أن يقذف بمذيعتين جميلتين على الشاشة الوطنية، تنحسر مهمتهما ــ إضافة إلى «اللوك» المغري ـــ بقراءة الأسئلة ببغائية مطلقة عن الورق من دون محاولة فهم المادة المعدة، أو إنجاز حالة بحث عن الضيوف ومحاورتهم بسوية جذابة. هكذا، استبيح المنبر لصالح شخصيات تلعب دور التقديم، لكن لم يُسمع بأسمائها من قبل، ولم يتح لأحد التعرف إلى منجزها الأكاديمي ولو بحدوده الدنيا. على سبيل المثال، اضطر الممثل الشاب يامن شقير إلى إعادة كلام محاورتيه أكثر من مرّة في محاولة لإدراك ماهية السؤال، وماذا يراد منه. وراحت التقارير الميدانية تسخر من المشاهدين بتركيب مقاطع درامية بعد سؤالهم عن تفاصيل عن يومياتهم وفق ما تدّعي تلك المواد. كلّ ذلك كان مجرّد تحمية أمام «قنبلة الموسم» التي تمثّلت في استضافة المغني الشعبي بهاء اليوسف قبل أيام ومعه عازف أورغ وعازف درامز وضارب طبل... تحوّل خلالها الاستديو لما يشبه النادي الليلي! رقص الجميع في فترة تفردها المحطات المحترفة لمزيج من مواد إخبارية، وحوارات سياسية رصينة، مطعّمة بمواد خفيفة مسلية تنجز المتعة والترفيه لمشاهدها وتساعده على بداية تلفزيونية موفقة ليومه. طبعاً الإخراج في الفقرة الصباحية تلك لم يكن بأفضل حال من المقدمتين والضيوف، بل أراد أن يكون له بصمة حاضرة بقطعات إيحائية مبتذلة ركّز فيها أثناء فقرات الرقص والدبكة على جسد المذيعتين اللتين غادرتا مكانهما وانهمكتا بالرقص مع المغني الشعبي المفضّل لديهما. هكذا، فتحت شهيّة رواد السوشال ميديا لانتقاد الإنحدار الحاصل على هواء المحطة الرسمية، إلى درجة انضم إلى الحملة الافتراضية موظفو الإعلام الرسمي ذاته. صحيح أنّ الأمور لم تكن أفضل قبل هذه النقلة، لكن الحال قبل هذا التغيير الغرائبي كان بمثابة كحل أفضل من العمى الحاصل حالياً. المفارقة بأن الفوضى الحاصلة على السورية في ساعات الصباح ترافقت مع فقرة اشتهرت باسم «أبو علي» التي قدمتها المذيعة ماسة آقبيق. سألت المذيعة متسابقاً في الشارع عن صاحب بيت شعري لأبي العلاء المعرّي يقول فيه: «هذا جناه أبي عليّ وما جنيت على أحد» فاستبدلت كلمة عليَّ باسم العلم علي، ثم حاولت ببراعة فائقة تقديم خيارات للمشترك، فإذا بها تلفظ اسم الشاعر أبي فراس الحمداني بـ«أبو فارس» وللمشاهد أن يتخيّل بعد «صبحية بهاء اليوسف» وتقرير «أبو علي» إلى أي درك انحدرت شاشاته الوطنية بعد انطلاقتها الجديدة!