في 24 حزيران (يونيو) الماضي، شهدت السعودية فصلاً جديداً في تاريخها، تمثّل بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، بعد قرون من التهميش وهضم أبسط الحقوق. القرار الذي عمل على صوّر وقتها على أنه «تاريخي»، ويقع ضمن إنجازات ولي العهد لسعودي محمد بن سلمان في إطار دعمه للمرأة، احتارت الميديا السعودية في كيفية الترويج له. في هذا السياق، أعادت قناة «العربية»، على سبيل المثال، إكتشاف الجانب الحقوقي المتعلق بالمرأة، والإضاءة على ريادتها أو دخولها في ميادين عملية للمرّة الأولى في محطات مختلفة. بعيد هذه الموجة التي استمرت لشهر ونصف الشهر تقريباً، دشنت الشبكة السعودية أخيراً سلسلة فيديوات قصيرة تحت عنوان «سيارة نورة». السلسلة المشغولة على طريقة الرسوم المتحرّكة، والتي بدأ بثها على الموقع الإلكتروني للقناة في 20 تموز (يوليو) الماضي، لا تتخطى مدّة كل جزء منها الدقيقتين، تتناول موضوع قيادة المرأة السعودية للسيارة. لا تعتمد شرائط «سيارة نورة» على الدبلجة، ولا يوجد فيها أي حوار (حتى أننا لا نسمع فيها أي صوت أنثوي)، بل تكتفي بالحركة وبالشق البصري، على أن يفهم مسار الحلقة من خلال معلّق سعودي، يتولى دور الراوي.
«نورة» إمرأة سعودية تعمل في مستشفى، ولديها صديقات هناك. وهي أيضاً متزوجة من الشاب السعودي «صالح»، صاحب الابتسامة الدائمة. الشرائط المعروضة حتى كتابة هذه السطور، تكرّس فكرة واحدة، تتسم بالذكورية العالية، وبإرساء نظرة دونية إلى المرأة بشكل عام، وإلى السيدة السعودية بشكل خاص.
صحيح أنّ قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، يعدّ جديداً في المملكة، لكن هذا لا يعني أنّ المرأة مجرّد كائن ساذج، لا يفقه حتى في بديهيات القيادة، وأخذ الحيطة وتوخّي السلامة المرورية.
مجموع الفيديوات، يذهب في إتجاه واحد: «صالح» رجل يفقه في كل شيء... من فلاتر الزيت، إلى غسيل السيارات، ومخاطر القيادة في المسار السريع من الجهة اليسرى، وصولاً إلى أنواع السيارات، واستهلاك الوقود. أما مهمّته، فستقصر على الظهور في كل السلسلة على أنه المنقذ والرأس المفكر، والناصح لزوجته التي تصدم دوماً مما يقول وكونه دائماً على صواب!
«سألت نورة صالح...»، عبارة تتكرّر على الدوام في حلقات «سيارة نورة»، لتكرّس فكرة أنّ نورة ومثيلاتها لسن سوى نساء ساذجات (رغم أن الشرائط تبين أنهنّ متعلّمات، وسبق أن قصدن مكاتب تعليم القيادة)، وأنّ الرجل المتمثّل بـ «صالح»، هو البطل الأسطوري العالم والحاضر للتنظير والإرشاد في أي لحظة!.