باريس | عن 88 عاماً، غيّب الموت في باريس، المناضل اليساري الكبير إيميل شكرون، آخر الأحياء من جيل الثوار الأممين الذي انخرطوا في صفوف الثورة الجزائرية، ورفعوا السلاح بوجه وطنهم الأم فرنسا. وكان شكرون، الذي وُلد لعائلة يهودية فقيرة في وهران، قد انخرط، عام 1946، في صفوف الحزب الشيوعي الجزائري، وهو في سن السادسة عشرة. عرف الاعتقال مرة أولى، عام 1949، وهو في التاسعة عشرة، بسبب توزيعه مناشير حزبية كانت تندد بـ «الحرب الإمبريالية الفرنسية في فيتنام ومظالمها في باقي المستعمرات».عام 1951، أشرف إيميل شكرون بالاشتراك مع رفيقة دربه ألين لاريبار، على تنظيم الإضراب الشهير لعمال الميناء في وهران، لمنع شحن الأسلحة بحراً لحساب وحدات الجيش الفرنسي المقاتلة في حرب «الهند الصينية» آنذاك. مما أدى إلى اعتقالهما معاً، وكانت تجربة الاعتقال علامة فارقة في مسارهما، حيث تزوجا بعد أسابيع قليلة من خروجهما من المعتقل، أواخر عام 1951، وتشاركا في كل تجاربهما النضالية لاحقاً، على مدى ستة عقود.
مع اندلاع ثورة التحرير الجزائرية، كان إيميل وألين شكرون في طليعة مؤسسي «كتائب مقاتلي التحرير»، التابعة للحزب الشيوعي الجزائري، التي اندمجت لاحقاً مع القيادة الموحدة للثورة الجزائرية، تحت لواء «جبهة التحرير الوطني». بعد عامين من الكفاح المسلح، ألقي عليهما القبض، في أيلول (سبتمبر) 1956، في معاقل الثورة بتلمسان، في الغرب الجزائري، إثر عمليات تفتيش ضخمة قام بها جيش الاحتلال الفرنسي في المنطقة، بحثاً عن شحنات كبيرة من الأسلحة تم تهريبها لحساب الثوار الجزائريين من قبل المناضل الشيوعي الكبير هنري مايو، قبيل انشقاقه عن الجيش الفرنسي.
كان من طليعة مؤسسي «كتائب مقاتلي التحرير»


قبل تحويلهما الى فرنسا للمحاكمة، احتجز إيميل وألين شكرون لأسابيع طويلة في مركز تعذيب في وهران اشتهر باسم «أقبية مكتب الخزينة»، وتعرضا لأشكال همجية من التعذيب ظلت آثارها الجسدية والنفسية ملازمة لألين على مدى عقود.
في سجن «فرين» الفرنسي، نجح إيميل شكرون، بعد سبع جولات متتالية من الإضراب عن الطعام، في افتكاك اعتراف السلطات الفرنسية به كـ «سجين رأي جزائري». ولم يكتف بأن يكون «سجين الرأي الجزائري الوحيد غير المسلم»، بل انتُخب من قبل رفاقه مندوباً عن مساجين «جبهة التحرير» الجزائرية في سجن «فرين» الفرنسي. سجن تعرّف فيه إيميل شكرون، عن قرب، الى عدد بارز من قيادات الثورة الجزائرية، وفي مقدمتها الزعيم الراحل محمد بوضياف.
بعد إطلاق سراحهما، مع استقلال الجزائر، في صيف 1962، عاد إيميل وألين شكرون الى مرابع الصبا في وهران. لكن تقلبات السياسية الجزائرية، لم تلبث أن عصفت بأحلامهما الثورية، حيث اضطرا، على غرار المئات من المناضلين الأممين المناصرين للثورة الجزائرية، الى مغادرة البلاد، بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس احمد بن بلة، عام 1965.
عاش إيميل وألين شكرون، بعد ذلك، مبعدين عن بلدهما الجزائر، طوال أكثر من نصف قرن. لكنهما ظلا فخورين ومتمسكين بالجنسية الجزائرية التي منحت لهما غداة الاستقلال. وبالرغم من انتقالهما القسري للعيش في فرنسا، إلا أنهما لم يتخليا عن القيم اليسارية التي ناضلا من أجلها طوال حياتهما، إذ استقرا في حي شعبي تقطنه غالبية من المهاجرين في ضاحية «فونتناي سو بوا» (شرق باريس)، وظلا مناصرين دائمين للقضايا العربية ولحقوق المهاجرين المسلمين في فرنسا.