يعتبر كثيرون أنَّ الفنان رشيد عساف موهبة كوميديَّة كانت ضائعةً، قبل أن يجري اكتشافها على يد ممدوح حمادة والليث حجو في مسلسل «الخربة» (2011)، بعدما كان شبه متخصّص في أدوار يطبعها «فائض رجولة» سواء في الأعمال الاجتماعيَّة أو التاريخيَّة أو الفانتازيا. أعاد عساف تكريس نفسه كوميدياناً مقتدراً في «أزمة عائليَّة» (كتابة شادي كيوان وإخراج هشام شربتجي ـــ 2017) حيث شكَّل أحد أبرز أسباب نجاح العمل ونجاته من الوقوع في مطبّ التهريج الذي تعانيه أغلب الأعمال الكوميديَّة اليوم، وإن كان «أزمة عائليَّة» لا يرقى – بطبيعة الحال - إلى مستوى ما يقدّمه الثنائي حمادة وحجو. الكلام نفسه ينطبق إلى حدّ ما على زميل عساف في «الواق واق» (كتابة ممدوح حمادة وإخراج الليث حجو/ 2018 ــ قناة «لنا») اللبناني طلال الجردي. يطلّ الجردي في العمل بدور «ولاتو» وهو مترجم يتقن أكثر من عشر لغات، من دون أن تنفعه في التواصل مع الآخرين على أرض «الواق واق». تدور أحداث المسلسل في إطار كوميديّ، حول عدد من الشخصيَّات التي لا يمكن أن تجتمع في مكان واحد، وتمثل الفشل ذاته في المجتمع، ولكن القدر يجمعها في جزيرة بعد غرق سفينتها في طريقها إلى الولايات المتحدة، وينبغي لأفرادها أن يتكيّفوا معاً من أجل البقاء على قيد الحياة، وأن ينتخبوا قائداً لهم كأنَّه رئيس جمهوريَّة الجزيرة.
في الحلقة الثالثة من المسلسل، نكتشف إحدى اللغات التي يتقنها «ولاتو» بعد أن يطلق صوتاً يشبه ثغاء الخروف منتظراً سماع الردّ للتحقق من وجود كائن حيّ غيره على الجزيرة. وحين يتأكد من وحدته ويجد نفسه في مواجهة البحر، يقرّر أخيراً إطلاق أفكاره الثوريَّة المكبوتة، ويصدح بالقصائد التي صدأت في صدره منذ 40 عاماً: «قالوا لنا اختاروا بِحُريّة، في غرفة سريّة، ما فيها رِجْلٌ بشريَّة، اللهم عدا رَجُلَي أمن، ومراقب صندوق، ونافخٍ بالبوق، يقول نعم نعم نعم».
«الواق واق» لم يكن أوَّل نافذة يطلّ منها الجردي على عالم الكوميديا، فقد سبق له أن قدَّم أداءً متميّزاً في «كاراميل» (كتابة مازن طه وايلي ف. حبيب/ 2017) جعل العديد من المتابعين يعتبرونه الممثل الأهمّ كوميديَّاً في لبنان ويطلقون عليه لقب «شوشو الجديد».
الكلام عن موهبة طلال الجردي في الكوميديا لا تعني الانتقاص من أهميَّة الأدوار التي أدَّاها سابقاً منذ «طالبين القرب» (كتابة مروان نجار وإخراج ميلاد الهاشم/ 1997)، كما أنَّ تميّز رشيد عساف في «الواق واق» بدور «الماريشال عرفان الرقعي» الذي يعجز عن تذكّر انتصار واحد حققه رغم الأوسمة التي تزيّن صدره، لا يعني أنَّ المشاهد سينسى بسهولة شخصيَّة «ورد» في «البركان» (كتابة هاني السعدي وإخراج محمد عزيزية/ 1993). لكن يبدو ضروريَّاً- في ظلّ ندرة المواهب الكوميديَّة على صعيدَي الكتابة والتمثيل – مناشدة كلّ من يبرع في هذا المجال التفرّغ له، فلعلنا في هذا الزمن أحوج من أيّ زمن آخر إلى الضحك.

«الواق واق»: 21:00 بتوقيت بيروت قناة «لنا»