عبد الغني طليس
لعلّ أجمل ما في «تلفزيون لبنان» أنّك تعمل فيه بحريّة من دون إملاءات. ولعلّ أسوأ ما في «تلفزيون لبنان» أنّه يريدك أن تفعل أقصى ما تستطيع وفي كل اتجاه، مقابل أن يفعل أدنى ما يستطيع، وفي اتجاه واحد فقط هو تقديم... استديو لك! فحين وَجّهتُ كتاباً مختصراً مفيداً إلى رئيس مجلس إدارة «تلفزيون لبنان» إبراهيم الخوري، أعتذرُ فيه عن عدم متابعتي إعداد برنامج «مسا النور» وتقديمه من الآن فصاعداً، كان قد بلغ السيل الزُبى عندي و... عنده في وقت واحد على ما يبدو. عندي، لأنني خشيتُ على البرنامج من نقص في الإمكانات الإنتاجية ديكوراً وتنفيذاً تقنياً، كاد يقطع أنفاس الصمود فيّ. وعنده، لأنّ «العنعنات» السياسية التي أقلقت راحته ضد البرنامج قبل سنة وانتهت بسلام، تحوّلت «عنعنات» من «أنواع» أخرى (على الطريقة اللبنانية!) جعلته راغباً في أن «يرتاح» من البرنامج!
إن العمل في «تلفزيون لبنان»، وتحديداً لمَن يعرف ماضي هذا التلفزيون المجيد، المجيد حقاً، وحاضره البائس، البائس حقاً، هو مغامرة، مغامرة حقاً. إنه تلفزيون بقدرات مخنوقة، صوتاً وصورة، فشاشته لا تعرض، في الأغلب الأعمّ إلّا.. القديم من أرشيف كان حاضناً أيام عزّ البلد، وبات بالياً لشدّة إعادته وإعادته وإعادته، وأوضاعه لا يُحسد عليها. وتالياً، فإن مَن يقرّر تقديم برنامج فيه ليس إلّا «السوبرمان» المجنون أمام أوضاع بقية المحطات، أو «العاطل» من العمل... وأنا لستُ الاثنين، وإن يكن بعض ضيوفي من وزراء ونواب ورؤساء أحزاب ومثقفين وفنانين اعتبروني من الصنف الأول نظراً إلى ما يعرفونه من أحوال «تلفزيون لبنان» وإنتاجه، وكيانه المرئي، ومستوى برنامجي.
خشيتُ من نقص الإمكانات الإنتاجية ديكوراً وتنفيذاً تقنياً
ويسرّني في النهاية أنّ بعض البرامج التي يجري إعدادها حالياً في محطات عدة، وسيشاهدها الجمهور في رمضان، سيقلّد واحد أو اثنان منها برنامجي «مسا النور» في نوعية الضيوف، ونوعية الأسئلة، وفي بعض الفقرات. وحسبي أنّ الرباط الأنيق الذي أقمته بين «تلفزيون لبنان» ونُخَب سياسية وثقافية وفنية وإعلامية أرضاني، وقادني إلى اتخاذ موقفي هذا.