عند مشاهدة «البجعة السوداء»، نستعيد شريط «الحذاء الأحمر» (1948) لمايكل باول وإيميريك برسبيرغر. كأنّ عمل دارن أرونوفسكي ليس سوى استعادة للفيلم القديم، عن قصة راقصة باليه على وشك أن تصبح الراقصة الأولى في فرقتها. في «البجعة السوداء»، تبقى الفكرة الأساسية نفسها: ما هو الثمن الذي على الفنان دفعه في سبيل العظمة والكمال.
الفيلم قصّة راقصة الباليه الموهوبة نينا سايرز (ناتالي بورتمان) التي تحلم أن تصبح الراقصة الأساسية في باليه «بحيرة البجع». ينوي مدير الفرقة الفني توماس ليروي (فينسان كاسيل) تقديم رائعة تشايكوفسكي مع فرقته النيويوركية بحلة جديدة. يجد لدى نينا الموهبة التقنية اللازمة لأداء البجعة البيضاء، إلا أنه يرى في طبيعتها المسالمة عائقاً أمام أدائها للبجعة السوداء. يختارها رغم ذلك، مراهناً على أنّه سينجح في دفعها نحو بعض الجنون والحسية. وستساعده على تحفيزها بنحو غير مباشر ليلي (ميلا كونيس)، وهي الراقصة الجديدة في الفرقة ذات الشخصية النارية.
يبني السينمائي الأميركي عمله على ذلك الصراع الخفي بين الممثل والممثل البديل، وهنا يبدأ الجانب النفسي المعقّد للشخصية الرئيسية بالظهور، فتبدو نينا أساساً شخصيّة أشبه بالفأرة المذعورة التي تعيش في كنف أم طاغية. تتحول الراقصة المنافسة إلى صنوها ونقيضها في آن. تظهر العوالم السفلية لكواليس الباليه في نيويورك، حيث المنافسة الشرسة والصامتة تطحن الروح. تجد نينا في ليلي ما تريد أن تكون، فإذا بالمخرج يحوّل تلك الرغبة إلى مشهد جنسي مثلي يختلط فيه الواقع بالخيال.
«البجعة السوداء» فيلم هوليوودي بامتياز، لم ينجِّه تشايكوفسكي من طغيان الجنس والدم. أمّا أرونوفسكي فعرف كيف يسوّق نتاجه بحيث صار مرشحاً للأوسكار. ولأن هوليوود تحب قصص النجاح، يبدو أنّ الوقت قد حان لتنال ناتالي بورتمان أوسكار أفضل «محاولة للتمثيل». فها هو الإعلام الأميركي يضجّ احتفاءً بـ«الممثلة الإسرائيلية الكبيرة».
يصلح «البجعة السوداء» في خلاصته موعظةً تعرض لطلاب الثانويات، حول أهمية التفاني وعدم القبول بما هو دون الكمال. درس كان حرياً بالسينمائي الأميركي أن يطبِّقه على شريطه...

«البجعة السوداء» : «صالات أمبير» (1269) «بلانيت طرابلس» (06/442471)