مشهد الأفق الضبابي البعيد الذي صنع بتكراره خيطاً ربطَ الصور المعروضة كخرزات عمود فقري، شكّل ركيزة فكرة We Need To Talk لمحمود حجيج (1975). المعرض هو الأول من نوعه لمخرج حاز جوائز عالمية عدة عبر لغة الفيلم. وها هو يجمع اليوم 20 عملاً فنياً (تصوير فوتوغرافي ووسائط مختلفة) من أصل 24 في معرضه في «غاليري أجيال». ذات غروب من شهر نيسان (أبريل) 2010، وقف حجيج أمام شاطئ البحر الميت في الأردن متأملاً فلسطين البعيدة في الأفق، فكان أن صنع ذاكرة بصرية للمشهد، عبر لقطات فوتوغرافية طولية ارتسمت بدرجات مختلفة من ضوء المكان الطبيعي كما حددتاه حدقتا الشمس وعدسة الكاميرا.
سبع من تلك اللقطات شكلت منظراً بانورامياً لظلال الأرض المحتلة، وهي تلوح بين السماء وتموجات المياه. رتّبها حجيج بتدرّج لوني من الأبيض والأزرق مروراً بشفق ذهبي وصولاً إلى اللون الداكن. أطلق حجيج على المجموعة اسم Repalestine ليفردها على مساحة جدار أبيض كلوحة متكاملة، أو كشاشة للسينما، محملاً كلاً من اللوحات عنواناً من مصطلح واحد يبدأ بالبادئة اللاتينية Re التي يدلّ وجودها في أول الكلمة على «إعادة» الشيء أو «تكراره». وتُتبع البادئة Re بفعل لغوي خاص بكل لوحة في المجموعة، أولها فعل الإزالة Remove مروراً بإعادة الخلق Recreate وإعادة الاكتشاف Rediscover في ما يشبه محاولة التفكير لإيجاد صيغة أو تصوّر جديد لفلسطين كما نريدها، هي البعيدة - القريبة التي نعرفها من خلال ما روِي لنا عنها فقط، رغم أنّها تشبهنا ونشبهها في العمق، كما جاء في نص التعريف بالمعرض الذي صاغه المخرج حجيج. وفيما الصورة هي لفلسطين، فإنّ النصّ أو فكرة المعرض ليسا حكراً على تلك الأرض أو القضية الفلسطينية كما يقول صاحب العمل، بل هي فكرة طيّعة ومرنة، نستطيع ربطها بأي بقعة جغرافية، ولا سيما اذا اختُزلت علاقتنا بها
بالمسافة.
لا تنتهي مجموعة Repalestine بالإصلاح Repair. عنوان العمل السابع قاتم الألوان. ينطلق حجيج منه لخلق مجموعة أخرى من الأعمال المركّبة هي تتمة We Need To Talk. تنفرد كل لوحة بعنوانها ومضامينها، بينما يتكرر فيها مشهد من الأفق الفلسطيني ذاته باجتزاءات وبالتدرجات اللونية المتنوعة كخلفية للوحة أضاف إليها المخرج غرضاً قديماً مهملاً (صنبور، عادم سيارة قديم...). وفي بعض الأعمال، كان المشهد «جزءاً من كل» طوّع فيها حجيج الصورة بشكل مقتطع، كما في Resolve، أي «العمل على إيجاد حل» الذي ضم جزءاً من مشهد الغروب الأزرق إلى جانب قطعة من إشارة مرورية للوقوف وضعت داخل إطار صمم على شكلها المثمّن الأضلاع. من خلال هذا العمل، ربما أراد حجيج أن يربط البحث عن حلول بضرورة ايقاف سير أو سيل الأفكار المألوفة قبل المباشرة في الحوار.
اللافت أن لا يعمل مخرج سينمائي على بناء فكرة معرض فني كما يفعل مع سيناريو فيلم. بعيداً عن التدرّج اللوني والزمني في Repalestine، أسقط حجيج التسلسل من حساباته، ورتّب بقية الأعمال من دون سابق تخطيط. في هذا الإطار مثلاً، كان Research، الذي ضم عادماً مهترئاً وصدئاً قد يعني وقد لا يعني شيئاً مع عنوان شامل كمصطلح «بحث». فيما أتى ترتيباً بين عملين يحمل أولهما Return وفيه مسحة كاريكاتورية، حيث أضاف حجيج لوحة أزرار مصعد كهربائي. ويحمل الثاني عنوان Republish، حيث حضرت الحروف المعدنية لطابعة قديمة الطراز. في العملين صلة واضحة بين الغرض (item) والعنوان، وتماه تام مع مفهوم المعرض الشامل، لكن الفكرة كانت مباشرة ومستهلكة في Relay أي «تسليم أو تناقل»، الذي ضم مفتاحاً ضخماً يحفر قلب قفل صدئ، في إشارة إلى رمزية المفتاح في القضية الفلسطينية. والسؤال عما إذا كان قد وُفّق في توظيف «المفتاح» ضمن رمزية عامة في ظلّ خصوصيته الفلسطينية، هو الذي يشرح أنّ Repalestine ليست بالضرورة أرض فلسطين، بل تستطيع أن تكون أي أرض أو بلد، بل حتى أميركا. يدعم فكرته، فيذهب إلى أنّ الرسالة في We Need To Talk ليست موجهة إلى الإسرائيلي، الذي لا يهمه التحاور معه، بل موجهة إلينا نحن في هذه المنطقة، سعياً إلى خلق تواصل حقيقي وفعّال حول شؤوننا العربية، انطلاقاً من المسألة الفلسطينية، لنرتقي بها إلى بعدها الإنساني.

We Need To Talk: حتى 29 أيلول (سبتمبر) ــ «غاليري أجيال» (الحمرا ـ بيروت) ـ 01/345213



لمحة | سيرة

مصوّر ومخرج وفنان فيديو من جيل ما بعد الحرب الأهليّة اللبنانيّة، أنجز حوالى 30 فيلماً روائياً قصيراً وتسجيلياً ونال جوائز عدة. في عام 2006، نال محمود حجيج (1975) شهادة دكتوراه في الإعلام والاتصال منEuropean Graduate School في سويسرا. كما حاز شهادة الماجستير في الإعلام منNew School University في نيويورك عام 2001، إضافة إلى إجازة في فنون الاتصال من الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت LAU عام 1997، تدرّس كتب حجيج الثلاثة عن التصوير الفوتوغرافي في جامعات لبنانية عدة. وقد نشر مقالات عديدة تتناول عالم الميديا، وها هو يعمل حالياً على باكورته الروائية الطويلة Stable Unstable.