بعد صدور فيلمي «صفائح الذهب» (1988) الذي ربطتُ فيه بين الحريات السياسية والشخصية وحرية المعتقد، أصدرت «النهضة» حكماً بالإعدام ضدي، وتم تعليقه طوال 7 أو 8 أشهر في الجامعات عام 1990، وكانت حجتهم أن الفيلم يروِّج للإلحاد. بعد الثورة، جدَّدت النهضة نداءات المطالبة بقتلي. في تجمع سياسي نهضوي رسمي عُقد في قصر المؤتمرات في تونس العاصمة يوم 17 نيسان (أبريل) 2011، أدى مغني الراب المنتمي إلى «النهضة» Psycho M أغنية تقول: «يجب إفراغ الكلاشنكوف في مخرج «ماكينغ أوف» (أحد أفلام النوري بوزيد ـ 2006)، وقُوبلت تلك الأغنية التي وصفتني بـ«عدو الله» بموجات من التصفيق وصيحات «الله أكبر». ولم يعترض على ذلك قادة «النهضة» الحاضرون.
بعد تلك الواقعة بيومين، تم الاعتداء عليَّ بالضرب من قبل شبان إسلاميين إثر مشاركتي في نقاش ثقافي في جامعة تونس.
كل هذا يدفعني إلى الاعتقاد بأنّ «النهضة» لم تتغيّر، ولم تتخل عن منهج العنف. بالطبع، بعد فوزها في الانتخابات، تحاول أن تظهر بوجه مغاير، لأن لعبة السلطة تقتضي منها ذلك. لكنّ هذا الوجه المعتدل والمُطمئِن الذي يروّج له قادة «النهضة» تخونه تصرفات العنف التي تصدر عن مناضليها وأنصارها. ومن الأمثلة على ذلك أنّني تعرضت، بعد الانتخابات بيومين، إلى اعتداء جديد على يدي شاب من «النهضة» في أحد الأسواق الشعبية، حيث تهجم عليَّ بعنف واتهمني بأنني «كافر».
هناك حالياً خطاب نهضوي جديد يسعى إلى إيهام الناس بأنّ الحركة «ليست أصولية» ولا تنادي بتطبيق الشريعة. لكن أعتقد أنّ «النهضة» تقول ذلك اليوم لأنها لا تحظى بالأغلبية وحدها، وتضطر للتحالف مع أحزاب أخرى. مشروع «النهضة» الأصولي بعيد المدى. ومخططاتها وأهدافها الخفية لا تدفع إلى الاطمئان إطلاقاً على مستقبل البلاد والحريات. لذا، فإنني في فيلمي الجديد أتوقع لنفسي نهاية فاجعة، حيث قمتُ بتصوير موتي بكل تفاصيله وطقوسه، من القتل إلى التغسيل إلى الكفن والدفن!
أعتبر نفسي مرشحاً للقتل. ولستُ الوحيد. هناك قوائم يدور عنها الحديث بأسماء ستة أو سبعة مثقفين على الأقل تخطّط «النهضة» لتصفيتهم، ومنهم محمد طالبي وألفة يوسف وأنا. ولا أتحدث عن السلفيين هنا، بل عن «النهضة». كل التهديدات التي أُطلقت ضدي صدرت عن «النهضة» وليس عما يسمى «التيارات السلفية».
* سينمائي تونسي