منذ أسبوعين، قدّمت فرقة «الألف» بقيادة خيام اللامي عرضاً في جولة بريطانيّة على مسرح Asis Stage في لندن، ضمن مهرجان BT River of Music (العروض الرديفة لأولمبياد لندن 2012)، إلى جانب عازف الطبلة الهندي زكير حسين، ومغني القوّالي الباكستاني آصف علي خان، وفرقة الوتريات النيو ــ الكلاسيكيّة المعروفة Kronos Quartet. وبغضّ النظر عن مدى أهلية الفرقة العربيّة المختلطة لتصنيفها تحت بند الموسيقى الآسيويّة الإثنيّة، إلا أنّه يُحسب لها الجهد الذي تبذله باتجاه البحث في الموسيقى العربيّة المعاصرة.
أبصر هذا المشروع النور بعد خيبة أمل خيّام اللامي إزاء انعدام الأصالة المعاصرة في الموسيقى العربيّة، وانحصار البحث في التراث بنتائج متزمتة بعيدة عن العصر الذي نعيش فيه. من هنا، قال الموسيقيّ العراقي لـ «الأخبار» سابقاً إنّه أراد تأسيس الفرقة لإطلاق «بحث جدّي في الموسيقى العربيّة وتأثرها بالأنواع المختلفة» (الأخبار 23/8/2011).
في القاهرة حيث حصل على إقامة فنيّة من «المورد الثقافي» العام الماضي، التقى اللامي الفنان الفلسطيني تامر أبو غزالة، والموسيقي من فرقة «بيكيا» الإلكترونيّة موريس لوقا، فأسّسوا نواة الفرقة التي توسّعت لاحقاً في لندن. خلال هذه الفترة، حصل اللامي على ما يريده: البيئة العربيّة، وموسيقيّين شابين يتمتّعان بالأصالة والتجديد، هما أبو غزالة الذي سيوسّع دور العود التعبيريّ، ولوقا الذي سيخلق محيطاً Ambient إلكترونياً مصرياً محليّاً. لاحقاً، سينضم إليهم في لندن الموسيقيّ وعازف الباص السوري خالد عمران، وعازف الإيقاعات اللبناني خالد ياسين، وعازف الإيقاعات المصري أيمن مبروك، وعازف الكمان الأردني يعرب سميرات. جاءت حصيلة هذه الخلطة في عرض حيّ لم يسجّل بعد (40 دقيقة) تضمّن 6 قصائد للشاعر العراقي الراحل سركون بولص («هولاكو»، «الجثّة»، «حصاة»...)، إضافة إلى محمود درويش («دروس من كاما سوطرا»، مقطع «هنالك موتى» من «خطبة الهندي الأحمر») ومقطوعتين آليتيّن.
المقاربة الأولى لـ «الألف» التي تحضّر لعروض في المنطقة الخريف المقبل، تكشف لنا أنّها خرجت بنتائج مألوفة للأذن العربيّة، أحرزها موسيقيون راديكاليون نسبيّاً، لكن هل المطلوب من هؤلاء أن ينتجوا موسيقى راديكاليّة؟ تصف الفرقة نفسها بأنّها «خليط جديد مكون من الاتجاهات الموسيقية المتمثلة في اختلاف آلات أعضائها وخلفياتهم الموسيقية، فيصب ذلك الاختلاف في نتيجة صوتية موحَّدة، ثريّة ومجدِّدَة».
بالتأكيد، نجح أعضاء الفرقة في استيعاب طاقات الأعضاء وبثّها كصوت واحد منسجم، وخصوصاً في أغنية «هنالك موتى» التي تم توزيعها ضمن هيكل أوركسترالي تتحرّك فيه هياكل شرقيّة بحتة، يقودها بزق أبو غزالة وعود اللامي وكمان سميرات. أما لوقا، فيلعب في المنطقة التي يبرع فيها: توفير المحيط الخارجي للهيكل مع الحفاظ على التقليد الشرقي بتسليم القيادة إلى كلّ آلة بالتناوب
ثمّة شغل تقليديّ يمكن نسبه بسهولة إلى المقام العراقي، أو حتى القدود الحلبيّة. وهذه ربما الصفة التجديديّة الأبرز في أعمال فرقة «الألف». أما المثال الأقرب لهذه الأذن العربية المعاصرة، فهو رؤية الفرقة إلى قصيدة «دروس من كاما سوطرا». بعدما قدّمت فرقة «تريو جبران» القصيدة في أسطوانة «في ظل الكلام» (2009) برؤية تعبيريّة بحتة اقتربت من الرفاهية الأندلسيّة المبالغ فيها، ها هي «الألف» تترجمها برؤية ديناميكيّة تهدّم الاطمئنان للابتذال العاطفي، لكن النتيجة ليست راديكاليّة موسيقيّاً، أو حتى تجريبيّة. والأرجح أنّه ليس مطلوباً من أعضاء الفرقة تقديم رؤية راديكاليّة للموسيقى العربيّة المعاصرة. لكنّها نجحت بالتأكيد باعتبارها من أوائل الفرق الشابة التي تحاول البحث بجديّة وحساسيّة عن أسباب «تلوّث» أذننا بكل ما نسمعه.

http://www.alifensemble.com/