بعد مصر وفلسطين، تواصل هدى عصفور (1982) جولتها الترويجية لألبومها الأول «جاي ورايحة» (الأخبار 6/6/2012) وتقدّم حفلةً مساء اليوم في «مركز بيروت للفن» (الجسر الواطي) بالتعاون مع «مؤسسة إيقاع». مع ألبومها الجديد (الصادر بدعم من «مؤسسة المورد الثقافي»)، تنهي المغنية الفلسطينية تجربة عشر سنوات من العمل المشترك مع عدد من الفرق، من بينها «سنابل» الجامعية، و«جهار» التي جمعتها بالمغني الشاب تامر أبو غزالة، تحت إشراف الموسيقيّ الفلسطينيّ خالد جبران.
في حفلتها البيروتية، تقدّم الفنانة الشابة مجموعة من الأعمال التي احتوتها أسطوانتها (سبع مقطوعات وأغان). ويتمحور معظمها حول الغربة والاحتلال والوطن. وسيعزف إلى جانبها كلّ من بشار فرّان (باص) وعلي الحوت (إيقاع)، كما ستتولّى العزف على العود بنفسها.
تنتمي هدى عصفور إلى جيل جديد من الموسيقيّات اللواتي يؤلّفن ويغنين أعمالهنّ مباشرة من دون وسيط. عصفور والتونسيّة بديعة بوحريزي، والمصريّة مريم يقدّمن فعلاً تجاربهنّ الخاصة وأصواتهنّ الفردانيّة التي ذابت في الصوت الجمعي عند أم كلثوم وفيروز مثلاً، أو كادت تذوب بحجّة استعادة التراث كما في تجارب لينا شاماميان وأميمة الخليل ومكادي نحّاس... لكن تجدر الإشارة هنا إلى تفلّت تجربة كاميليا جبران (تكاد أن تكون الوحيدة) من ذوبان هذا الصوت بحجّة القضيّة العامة والمصيريّة التي يحملها. لذا، تبرز كاميليا جبران كمرجعيّة مشتركة بين الأصوات النسائيّة الجديدة؛ إذ نكتشف أنّ تأثّر الموسيقيّات الثلاث بجبران، سواءٌ بالاستماع المفرط إليها أو وضعها في مصافّ التجارب الثوريّة، أمر طبيعيّ. لذا، لن يتّضح صوت عصفور الخاص إلا بابتعادها عن تجربة كاميليا. والنموذج الأمثل لهذه المقاربة هو أغنية «الياسمين» من أسطوانتها الجديدة. تشير المعلومات المتوافرة في الأسطوانة إلى أنّ عصفور كتبت كلمات الأغنية أثناء الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية عام 2002 في رام الله. يمكن ملاحظة المبالغة الجمالية في عمليّة الكتابة، وخصوصاً في «وأحدّثك عن جمال الفجر، انقشاع الليل عن آليات خضراء رماديّة». وهذا أمر مفهوم (وغير مبرّر) يحيل على تأثّرها بمحمود درويش، الذي كان قد أصدر في السنة نفسها ديوانه «حالة حصار». أما النسيج الموسيقي، فيتشابك وينفرج بشكل مذهل أحياناً؛ إذ تبدأ المقطوعة بضربات عود متوتّرة وحادّة وبنغمة أحاديّة يمكن إرجاعها إلى عازف ترومبيت مثلاً (نفكّر في بدايات مقطوعات تشيت بايكر). هذه المقدمة تستحوذ على دقيقة و21 ثانية من أصل 9 دقائق و33 ثانية، ليبدأ بعدها النسيج بالاشتباك والتصاعد باتجاه بداية كلمات الأغنية: «وتحدثينني عن الياسمين، عن عبق البساتين. وتحدثينني عن جمال الظلمة وسكون الليل»، ليستمر الاشتباك وترديد كلمات «خضراء، رماديّة» إلى درجة الهذيان. هذا التأنّي في ضربات العود التي تنكسر إلى الأسفل، إضافة إلى الفجوات الصامتة، يمنح النسيج الموسيقي صبغة تصويريّة/ مينماليّة يصعب في العادة تحميلها لأغنيّة تختزن هذا الكم الهائل من التجارب الشخصيّة. وهنا يكمن صوت هدى عصفور الخاص الذي يحتاج إلى صبر المستمع. المشكلة الوحيدة تكمن في تخفيض «تيمبو» المستمع إلى هذه الدرجة.

هدى عصفور: 8:00 مساء اليوم ــــ «مركز بيروت للفنّ» BAC (جسر الواطي ــ بيروت) ـــ للاستعلام:01/397018



... ومهندسة أيضاً

ولدت هدى عصفور في لبنان عام 1982. أمضت طفولتها في تونس وانتقلت بعدها إلى غزة ثم رام الله. بعد الثانوية، التحقت بـ «جامعة بيرزيت» وصارت عضوة في فرقة «سنابل». في رام الله أيضاً، التحقت الشابة في الكونسرفاتوار الوطني، حيث درست تاريخ الموسيقى ونظرياتها تحت إشراف الموسيقي خالد جبران. وفي عام 2004، سافرت إلى مصر لمواصلة دراستها، وأسست فرقة «جهار» مع تامر أبو غزالة. قدّمت حفلات عدة في لبنان وفلسطين ومصر، ونالت عام 2009 منحة من «مؤسسة المورد الثقافي» لتسجيل باكورتها «جاي ورايحة». إضافة إلى الموسيقى، تعمل هدى مهندسة كهربائية في مجال الهندسة البيوكيميائية.