بين عالم واقعي وآخر افتراضي فايسبوكي، يتنقل رامي الأمين في كتابه الصادر حديثاً عن «دار الجديد» بعنوان «معشر الفسابكة». يحيل الكتاب الموزع على عشرين فصلاً إلى تجربة فايسبوكية ذاتية، عاش الإعلامي اللبناني الشاب خطواتها وتفاصيلها بدهشة طفل يكتشف عالماً جديداً. استخلص منها تساؤلات وأفكاراً تدور حول عوالم هذا الموقع التواصلي الشهير وأسراره الخفية. تجارب الواقع وتفاصيل الذاكرة يجري إسقاطها هنا، على ألاعيب الفايسبوك وآلياته التعبيرية المتعددة، يحدث ذلك بهدف الفهم واكتشاف المعاني المخبوءة خلف ارتكاباتنا الفايسبوكية. صاحب «أنا شاعر كبير» يحاول تطويع الواقع لشرح الافتراض. يستخدم وقائع وحوادث وشخصيات معظمها مستحضرٌ من ذاكرته الشخصية ليحلل عبرها ما يواجهه في الفايسبوك من ظواهر تواصلية جديدة. إسقاطات حياتية نجح الكاتب في توظيفها بذكاء، مستدرجاً قارئه إلى منطقة ملتبسة يختلط فيها الواقع الحياتي بالافتراض الفايسبوكي. عزيز، الرجل الذي يقرأ كل الإعلانات والعبارات التي يمرّ بها في الطرق خلال انتقاله بالسيارة، يصبح نموذجاً ــ عند الكاتب ــ لفهم سلوك هؤلاء الذين يفترضون أن جميع من يشاركونهم العلاقة بالفايسبوك مضطرّون إلى قراءة إعلاناتهم وعباراتهم المكتوبة، أي ما يعرف في لغة الفايسبوك بـ«التاغ» أو الـ«شير».
أما الخجل الذي لازم الكاتب طوال حياته ولم يستطع إخفاءه رغم عمله مراسلاً إخبارياً، فيظهر دورياً على الشاشة، هذا الشعور الذي سبّب له الكثير من الإحراج في علاقاته مع النساء، فيستخدمه الأمين لرصد التحول في سلوك الأفراد بين حساباتهم الفايسبوكية وحياتهم في الواقع. الشخص الخجول والبالغ التهذيب يحضر في الموقع التواصلي بتعليقات و«ستاتوسات» تكاد تكون وقحة. فالانضمام إلى الفايسبوك والتمسك به كما ينقل رامي عن أحد أصدقائه هما انعكاس للخجل الذي نبديه في تماسّنا اليومي مع الناس.
وقبل أن يقوم بعرض تجارب مثقفين وكتّاب لبنانيين دخلوا إلى الموقع التفاعلي وأنشأوا صفحاتهم الخاصة، مثل حازم صاغية، وأحمد بيضون، ويحيى جابر ووسام سعادة، يتابع المؤلف أنسنة العوالم التفاعلية لأشهر موقع في العالم من خلال حياته الخاصة. يتذكّر تجربته خلال الحروب الإسرائيلية على لبنان وكيف كان يختبئ مع بقية أفراد عائلته في «الكوريدور» حيث تتمتم أمه آيات قرآنية وتضيء الشموع. وبعد خوضه حروباً من نوع آخر على الفايسبوك عبر الكتابة ضد الأحزاب والطوائف، يتساءل كيف ستكون الملاجئ في الحروب المقبلة، هل ستكون افتراضية؟
كتاب «معشر الفسابكة» الذي ابتكر عنوانه المؤرخ أحمد بيضون، كما يشير الكاتب في مقدمته، يلقي الضوء على بعض الظواهر الفايسبوكية من زاوية جديدة تحاول إيجاد معادل واقعي لكل تقنية تواصلية تُستخدَم عادة في هذا الموقع.
الصحافي اللبناني الذي سبق له أن قدّم كتاباً سردياً بعنوان «يا علي لم نعد أهل الجنوب»، يولي اهتماماً كبيراً بالجانب اللغوي لنصه الذي حمل من بلاغة المفردات وإتقان صوغها، بقدر ما حمل من خفة تناول الأفكار وسلاسة طرحها.