في الأيام التي تسبق انطلاق «ملتقى بيروت للرقص المعاصر»، يتحول «مقامات بيت الرقص» إلى ورشة. في المكتب الصغير في مبنى «السارولا» (الحمراء)، يضع عمر راجح وميا حبيس ورفاقهما ملصقات المهرجان، والبطاقات، والصور، وبعض تجهيزات الإضاءة، وحتى قوارير المياه. في الاستوديو المجاور، يواصل علي شحرور وإميلي توماس التدريبات على عرضهما «دنس ـــــــ موت صغير، الحركة الأولى». وعلى طاولته الخشبيّة حيث جلس يحاورنا، يواصل عمر راجح الردّ على اتصالات كثيفة: حجوزات إضافية، ووسائل إعلام تتحقّق من مواعيد التصوير.
قد يخيل لك أنّ الكوريغراف اللبناني يريد لكلّ هذا أن ينتهي. لكن على العكس، لا يشعر عمر بالملل إلا عندما ينتهي المهرجان، ويترك الراقصون المدينة. الاستعداد لليلة الافتتاح يتواصل طوال العام، أغناه خلال الدورة الحالية تعاون «مقامات» مع فضاءات ثقافية أخرى، مثل «متروبوليس» التي تحتضن خلال هذه الدورة عروضاً سينمائياً لأفلام رقص، و«أمم» التي تعاونت على إنجاز العرض التركي «أمس جديد»، إضافةً إلى تعاونه المستمر للسنة الثانية مع «مهرجانات بيت الدين». في الدورة الثامنة إذاً، حرص المنظّمون على تنسيق برنامج تتداخل فيه عروض متنوّعة التقنيات: «هناك الفيديو والتقنيات والإضاءة في عرض الختام مع الياباني هيرواكي أوميدا، وهناك أيضاً عروض تميل نحو الرقص الخام أكثر كما في عرض «باليه بويز» البريطاني»، يشرح راجح. تغيب العروض العربية هذا العام بسبب عدم تزامن المهرجان البيروتي مع الملتقى العربي للرقص الذي تنظمه شبكة «مساحات» كلّ عامين. لكنّ عروض Bipod ستمرّ كما في كلّ عام على عمان (22 ـــــ 28/4) ورام الله (19/4 ـــ 3/5)، من دون دمشق التي تحتجب عنها العروض للسنة الثانية على التوالي بسبب أزمتها الداخليّة. أن تتحوّل بيروت إلى مركز استقطاب لفنانين عالميين في مستوى كارولين كارلسون، لا يزيد إلا من قلق منظّمي المهرجان. «بكل موضوعيّة، ورغم نجاح تجربتنا بفضل التراكمات والشبكات التي بنتها على مدى سنوات، إلا أنّ جهل الدولة بمعنى الرقص وأهميته، يلقي بكامل العبء على المبادرات الفرديّة، ما يحدّ من طموحاتنا في الذهاب أبعد»، يقول راجح مضيفاً: «أن نواصل تنظيم هذا المهرجان أشبه بالمعجزة». اللافت في البرنامج مثلاً هو وجود ثلاثة عروض محليّة فقط، كان يمكن أن تكون أكثر لو توافرت الظروف الكافية للراقصين اللبنانيين للخلق والإنتاج. بعيداً عن السبات الرسميّ، يبدو أن «مقامات» قد اختار عنواناً ضمنياً لمهرجانه، وإن لم يكن معلناً. نستشفّ ذلك في حديث راجح عن عرضه المشترك مع ميا حبيس «حديث حميم مع سمكة حمراء»: الجسد في خضمّ الثورة. «الثورات العربية أعطت للجسد حضوراً وقيمة»، يقول عمر. «القرن العشرون كان قرن الآلة، تراجع خلاله الجسد كثيراً إلى الوراء. مع الثورات العربية صار الجسد منخرطاً، وفاعلاً، ولهذا لا يمكن أن تكون هذه الثورات سياسية فقط، بل هي ثقافية قبل أي شيء آخر».