ركّز الموت حربه على الثقافة المصرية في الأيام الأخيرة من 2013. لم يكتفِ بأن اصطحب «فاجومي» مصر الوحيد، أحمد فؤاد نجم، وهو مَن هو في الشعر والسياسة والثورة، لكنه في يوم واحد انتزع كبيرين آخرين من عالم التمثيل هما زهرة العلا وجمال إسماعيل. ذلك الثلث الأخير من العام نفسه شهد أيضاً غياب آخر الرواد في السينما المصرية، توفيق صالح قبل شهر من رحيل رتيبة الحفني، الرائدة الموسيقية وأول مديرة لدار الأوبرا المصرية «الجديدة» والمرأة الأولى في هذا المنصب. غير أنّ هذا الثلث الأخير الحزين في 2013، لا يُنسي الراحلين في أوله، ومن أبرزهم جمال البنا، المفكر الإسلامي الذي ناهز 95 عاماً ومثلها من الكتب والمعارك. كان الشقيق الأصغر لمؤسس الإٍسلام السياسي حسن البنا، لكنه اختار أن يعيش ويعمل مُجدِّداً رغم انتقادات الأصوليين.
وبين أول العام وآخره، فُجعت الصحافة الثقافية بالرحيل المفاجئ لهاني درويش عن 39 عاماً. اهتم درويش بثقافة المكان بين الأدب والاجتماع والسياسة، وعمل في ــ وأشرف على ــ العديد من المشاريع المهتمة بالصحافة الشعبية وبشر الهامش، قبل أن تنتهي حياته فجأة. ورغم أنّ الموت خيّم على المشهد المصري عموماً مع مواجهات «30 يونيو» وفض اعتصامات «رابعة» و«النهضة» والمواجهات والتفجيرات في طول مصر وعرضها، إلا أنّ ذلك لم يمنع أن يشهد العام نفسه عودة حركة النشر إلى وتيرة ما قبل ثورة 2011. كان السرد بطل المشهد بعشرات الروايات الجديدة لبعض الأسماء المخضرمة والجديدة من أبرزها علاء الأسواني العائد بعد ستّ سنوات من التوقف، بروايته «نادي السيارات» (الشروق). واستحضر الروائي الشاب طلال فيصل في «سرور» (الكتب خان) الشخصية الجدلية للشاعر المصري الراحل نجيب سرور، وأصدر نائل الطوخي روايته «نساء الكرنتينا» عن «دار ميريت»، ووحيد الطويلة روايته الثالثة «باب الليل» عن «الاختلاف»، وياسر عبد الحافظ «كتاب الأمان» عن «التنوير». أما طارق إمام الفائز هذا العام بجائزة «متحف الكلمة» الإسباني للقصة، فأصدر روايته «ضريح أبي» (العين). ورغم هيمنة الرواية على الإصدارات الجديدة (هيمنة ستتغير لصالح القصة القصيرة حسب إعلانات الناشرين في العام المقبل)، إلا أنّ أصواتاً شعرية مميزة لم تغب عن المشهد في 2013، فأصدرت أيمان مرسال ديوانها «حتى أتخلى عن فكرة البيوت» (شرقيات ــ التنوير)، وأصدر الشاب مصطفى إبراهيم ديوانه «المانيفستو» عن «مؤسسة قطر للنشر».
عام انتزاع الإخوان من الحكم إلى السجون مجدداً، كان عام صراع الثقافة مع السياسة. صراع كانت ذروته اعتصام المثقفين الشهير في مقر وزارة الثقافة الذي بدأ في الخامس من حزيران (يونيو) احتجاجاً على قرارات الوزير ـــ المعيَّن إخوانياً ــ علاء عبد العزيز، بإقالة عدد من قيادات العمل الثقافي من أبرزهم مديرة دار الأوبرا إيناس عبد الدايم، مما جرّ سلسلة من الاستقالات الاحتجاجية لعدد من قيادات الهيئات والمطبوعات الثقافية، من أبرزهم الروائي بهاء طاهر عن موقعه في «المجلس الأعلى للثقافة»، والشاعر عبد المعطي حجازي عن موقعه كرئيس تحرير لمجلة «إبداع». استمرّ اعتصام المثقفين وواجهته محاولة صدام محدودة من مسيرة إخوانية توجهت إلى الوزارة لتأييد الوزير. لكن بعد شهر، أطاحت التغيرات السياسية بالجماعة ــ ووزيرها بالطبع ــ من مشهد الحكم، لينتهي ــ بحكم الأمر الواقع ـ اعتصام المثقفين الذي لعب دوره التنظيمي الأكبر الناشر محمد هاشم، مدير «دار ميريت». بعدها، أعلن الأخير في نوبة غضب قراره الهجرة إلى خارج مصر لأنّ «ضجيج ماكينات رابطة صنّاع الطغاة لا يُحتمل». وسرعان ما تراجع هاشم عن قراره كما توقع محبوه، لكن بيانه الغاضب آنذاك أشار إلى قضية أخرى انشغل بها المثقفون ولا يزالون عنوانها عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع المصري والمحرك الرئيس للمشهد السياسي الحالي. وقد قُرئت تصريحات هاشم على أنّها إشارة بالتحديد إلى تصريحات الروائي صنع الله إبراهيم الذي أشاد بموقف السيسي مؤكداً «حقه الترشح للرئاسة». لم تكن تصريحات صنع الله وحدها، بل شهد السيسي ــ أو تدخله السياسي ــ إعجاباً مثيلاً من قامات كبرى، منها «الفاجومي» قبل رحيله، ومنها القامة الشعرية الأخرى، عبد الرحمن الأبنودي. ووجهت تلك التصريحات ــ من قبل مثقفين آخرين ــ بكثير من الغضب والاستهجان، إذ فُهمت على أنها دعوة أو ترحيب بترشح الجنرال المحتمل للرئاسة، بينما رأى فيها آخرون تقديراً لأهمية التخلّص من حكم الإخوان. وأياً كان التفسير، فإنّ الواقع لا يحتاج إلى تصريح، حرب الشيخ والجنرال ما زالت مستمرة!