نيويورك | ذات زمن مضى، كانت النكتة الحزينة تقول «نحن بحاجة لمئتي عام لتحرير فلسطين. لكن 200 عام ليست بشيء في حياة الشعوب». قد لا تكون القرون شيئاً كثيراً «في حياة الشعوب»، إلا أنّ للسنوات والعقود أثراً كبيراً في حياة الافراد. عشرة سنوات تفرق في حياة الانسان ورؤيته لنفسه وللعالم من حوله كما لتوجهاته ومقاربته للقضايا على اختلافها. ولعل من أبرز تجليات هذا الامر هو الفرق بين صناع السينما الفلسطينية ممن ولدوا في الخمسينيات ومن ولدوا في الستينيات وما بعد.
في أكثر من حديث مع عدد من مخرجي السينما الفلسطينية حول أفكار السينما ومواضيع الافلام، كان هناك ما يشبه الاجماع في عدم الرغبة بصناعة الأفلام التي تصور نضال الشعب الفلسطيني وتضحياته وبطولاته، وغالباً ما تحتاج الى افلام من نوع افلام الحركة أو الاكشن كما في الأفلام الاميركية التي تصور بطولات الجنود الاميركيين في كل حروب أميركا اللامتناهية. في فترة ما بعد النكبة وخاصة في الستينيات، ظهرت المقاومة الفلسطينية ومعها ظهرت أفلام شعبية بسيطة تروي بطولات الفدائيين في نضالهم ضد الاحتلال الاسرائيلي. كانت صالات السينما في المدن اللبنانية تكتظ بالكبار والصغار لمشاهدة أفلام مثل «كلنا فدائيون» (1968) من بطولة غسان مطر واخراج كاري كرابتيان الذي قتل خلال تصوير الفيلم في ظروف مشبوهة، و«الفسلطيني الثائر» (١٩٦٩) من اخراج رضا ميسر وبطولة غسان مطر، ومحسن سحراتي، وزين الصيداني، وجمال سركيس. وخلال مرحلة نشاط الثورة الفلسطينية في لبنان، تم انتاج افلام معظمها وثائقي عن القضية الفلسطينية والثورة الفلسطينية ولكن كان هناك افلام مثل «عائد الى حيفا» (1981) المقتبس عن رواية الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني بالعنوان ذاته، ومن اخراج العراقي قاسم حول وبطولة حنان الحاج علي وبول مطر والالمانية كريستينا شورن، وهو كان اول افلام الممثل السوري جمال سليمان. أما موسيقى الفيلم، فكانت هدية من الفنان اللبناني زياد الرحباني. ينتهي الفيلم بالتحاق الابن الفلسطيني بالثورة الفلسطينية لتحرير ارضه. لكن لم يوجد فيلم من تلك الفترة وما بعدها من أعوام يبدأ فيها الفيلم بالعمل الفدائي وما يلي ذلك من تبعات.
في الثمانينيات، برز اسمان في السينما الفلسطينية هما المخرج ميشال خليفي (1950) والممثل والمخرج محمد بكري (1953). مع افلام ميشال خليفي، بدأت السينما الفلسطينية تأخذ شكلها ومكانتها في السينما العربية والعالمية. وهكذا اتى فيلم «عرس الجليل» (1987) ليعلن ولادة سينما فلسطينية مستقلة ومبدعة. تلته الافلام الروائية «نشيد الحجارة» (1990)، و«حكاية الجواهر الثلاثة» (1994) و «زنديق» (2009). أما محمد بكري فقد بدأ عمله من باب العالمية حيث عمل مع اليوناني كوستا غافراس في فيلم «حنا ك» (1983) عن حق العودة، وكاد أن يودي بالمستقبل الفني للممثل والمخرج. وكان لبكري عدة أفلام وثائقية وتسجيلية منذ ذلك التاريخ من بينها الوثائقي «جنين جنين» (2002) الذي كاد يقود بمخرجه بكري إلى سجون الإحتلال بتهمة «الاساءة لسمعة الجيش الاسرائيلي». ولكن في كل الافلام المنجزة من قبل مخرجين من مواليد فترة الخمسينيات، لا نجد اي فيلم يقدم صورة مباشرة للنضال الفلسطيني العسكري والعمل الفدائي. تلك الافلام قدمت الكثير للتعريف بالشعب الفسلطيني وقضيته ونضاله، الا انها لم تعط صورة عن الجانب الحربي للصراع مع العدو الاسرائيلي. لعل ذلك يرجع لطبيعة ورؤية صانعي تلك الاعمال وفهمهم للسينما كصنعة ورسالة، الا أنه قد يكون احد اسباب ذلك أنّ مخرجي ذلك الجيل ولدوا بعد النكبة بسنوات وعاشوا حياة عصيبة تحت حكم الحاكم العسكري الاسرائيلي وفي فترة كان الشعب الفلسطيني في حالة ضياع وقمع واحباط في المنفى كما في الوطن. ذلك الشعب الذي ستصفه لاحقاً احدى اغنيات الثورة الفلسطينية بانه «الشعب المضيع والمكبل» الذي سيقوم بعد عقد من الزمن بثورته هاتفاً «وحملت رشاشي لتحمل من بعدي الاجيال منجل». مخرجو الجيل السابق بشروا بالثورة، واستشرفوها كما في «عرس الجليل» الذي تنبأ بالانتفاضة الاولى قبل حدوثها باشهر من خلال مشهد الطفل الذي يطلق الحصان العربي الاصيل من عقاله... الطفل الذي يجد نفسه محاطاً بأب مهادن واجداد مصابين بالخرف، وأخ مستلب الارادة، فيما يمتلك جيش الاحتلال أحدث الاسلحة. الا أن الاطفال يطلقون العنان للفرس التي ستجد نفسها في حقل الغام ولا يخرجها منه الا حكمة الآباء وعلاقتهم الراسخة بأرضهم. جيل الآباء لم يكن راضياً جداً على ما فعله الابناء الصغار الا أنّ الطرفين لا يفترقا. سيأتي ذلك الافتراق لاحقاً سواء كان الافتراق مقصوداً أم لا كما في أفلام آن ماري جاسر. والغريب أنّه كانت هناك بطولات وأعمال مقاومة تستحق التسجيل، بل التخليد في الكتب والافلام لتكون نواة الذاكرة النضالية لشعب يحب الحياة ويطلبها ولو عن طريق الموت أي كما يقول التعبير الاميركي «عش حراً أو مت». ومن الغريب أنّه لا يوجد سجل أدبي او تلفزيوني او سينمائي لعملية الشهيد كمال عدوان التي قادتها دلال المغربي وشارك فيها فدائيون من فلسطين ولبنان واليمن، كذلك العملية التي قام بها فدائي فلسطيني مستعملاً طائرة شراعية حلق بها فوق احدى قواعد الجيش الاسرائيلي. تلك العمليات وغيرها من الأعمال الفدائية الجبارة لم تحظ باي اهتمام فني وخاصة سينمائي برغم اهمية تلك الافلام في الدعم المعنوي لشعب يحيا أهم مراحل نضاله من اجل الوجود والحق بالحياة في وطن حر مستقل. ولعل الطابع الشعبي والمباشر الذي تتطلبه تلك الافلام لم تشكل حافزاً للمخرجين الذين أرادوا ان يخرجوا من الخاص الى العام وان يخاطبوا البشرية جمعاء من خلال قصص شخصية تحمل في طياتها قصة مأساة شعب وامة.
كانت رصاصة الإنطلاقة في الأول من كانون الثاني (يناير) من عام 1965، وانتهى الأمر بالفدائيين يتركون بيروت في أواخر آب (أغسطس) عام 1982 على متن بواخر حملتهم الى اثينا وتونس والجزائر واليمن وغيرها من اصقاع الارض. وبين التاريخين كان هناك دم كثير في معركة التحرير وفي وجه مؤامرات يخططها الغرب وينفذها العرب من عمان الى بيروت، وهي في أسلوبها ومنفذيها لا تختلف اطلاقاً عما تتعرض له المقاومة الاسلامية في لبنان اليوم. لكن سنوات المد الثوري تلك اعطت أبناء ذلك الجيل ممن ولدوا في الستينيات والسبعينيات دفعة كبيرة من الامل والثقة بالنفس والهوية والقضية بعدما «أصبح عندي الآن بندقية» بغض النظر عما آلت اليه الثورة الفلسطينية وهي ليست الا مرحلة عابرة تقتضيها الظروف من دون أن يعني ذلك التخلي عن القضية والكفاح المسلح.
يقال في الكتب إنّ الانسان ابن بيئته. السينمائيون الفلسطينيون ممن ولدوا في الستينيات والسبعينيات وشبوا في أيام الثورة الفلسطينية وما تلاها من انتفاضات ومفاوضات، كانت لهم نظرتهم الخاصة بجيلهم لفلسطين وللعمل السينمائي وهم فعلاً ابناء بيئتهم السياسية والاجتماعية. خير ممثل لذلك الجيل هم المخرجون الأربعة: إيليا سليمان (1960)، وهاني أبو أسعد (1961)، ورشيد مشهراوي (1964) وآن ماري جاسر (1974). فكرة النضال المسلح موجودة احياناً تلميحاً وكثيراً دونما مواربة في كثير من أعمال هؤلاء المخرجين. يكفي مشهد المقاتلة الفلسطينية المقنعة في فيلم «يد الهية» (ايليا سليمان) وهي تواجه جنود الجيش الاسرائيلي وطيرانه وتنتصر بلفسطين ولفلسطين لتكون تلك بداية علاقة جديدة بين السينما وفلسطين. وتكفي شاعرية مشهد شخصية بطل الفيلم (ا.س.) وهو يدمر دبابة اسرائيلية ببذرة حبة فاكهة فلسطينية. أما فيلم «الزمن الباقي» (2009)، فهو ليس إلا سيرة النضال العسكري العلني والسري لوالد المخرج ايليا سليمان قبل النكبة وبعدها. وتكاد أفلام ايليا سليمان «سجل اختفاء» (1996)، و«يد الهية» (2002)، و«الزمن الباقي» (2009) أن تكون ثلاثية تروي سيرة المخرج ومعها سيرة شعبه واهله. ولعل المشهد الأخير في كل واحد من هذه الافلام هو ما يربطها ببعضها: من طنجرة الضغط التي تكاد تنفجر في «سجل اختفاء» إلى الفلسطيني القابع على كرسي في مدخل مستشفى في «الزمن الباقي» الفلسطيني الذي هو اشبه بنمر على وشك الانقضاض على ما حوله في مشهد يكاد يكون رسالة تحذير من أنّ طنجرة الضغط هي على وشك الانفجار بكل ما فيها وما حولها. تلك اللقطة الأخيرة من الفيلم مرعبة ومن يراها يستغرب كيف أنّ اسرائيل لم ترم بإيليا سليمان في السجن بتهمة التحريض على الثورة. وهي تهمة يستحقها وسبقه اليها ميشال خليفي في «عرس الجليل» ولا عجب في ذلك، فهي تهمة تناسب اهل الناصرة منذ ان سبقهم اليها ابن بلدتهم يسوع الناصري من الفي عام.
أما افلام آن مار ي جاسر، فلا تترك مجالاً للشك في أنّ الكفاح المسلح هو الحل والطريق. نرى ذلك في فيلم «ملح هذا البحر» (2008) حيث تسترد شخصية البطلة ثريا (سهير حماد) حساب جدها المصرفي وفوقه الفائدة أيضاً من مصارف الاحتلال. قد يكون أول أفلام جاسر الطويلة واضحاً جداً في رسالته، الا ان ذلك الوضوح هو أجمل ما الفيلم خاصة في زمن كثرت فيه الهمسات الصاخبة والمواربة عن اهمية وضرورة السلام مع العدو والتنازل عن الارض وعن المنطقة أ والمنطقة ج. كما كثرت اتفاقيات السلام وشركات المقاولات السياسية والاخلاقية بحيث صار الفلسطيني هو المعتدي والمشكلة والمحتل الاسرائيلي هو صاحب البيت. ومن المحيط إلى الخليج، صار هذا هو الرأي السائد وخاصة في الخليج العربي الخليج الذي يشتهر باكرام الغريب واغاثة الملهوف وحسن وفادة «الضيف» الآتي على ظهر دبابة ميركافا. وكلما كان الضيف والغريب غريباً أكثر وضيفا ثقيلاً، كلما بالغ العربي الاصيل في كرمه الطائي. لذلك لا بد من أفلام كالتي تصنعها آن ماري جاسر وهي افلام _بوصلة أي أنّ اهميتها في أنّها تعيد تصويب البوصلة والرصاصة صوب العدو الوحيد اسرائيل. الفتاة التي تعود من بروكلين لتسترد حق اجدادها في «ملح هذا البحر» والطفل الذي فقد والده او افترق عنه في خضم النزوح واللجوء تحت سياط الجلاد الاسرائيلي يلتحق، كما الشبل خالد، بمعسكرات التدريب الفدائي في «لما شفتك» (2013) ليسترد ارضه ويبحث عن أب فقده ليجده في الفدائي المقاتل الذي عبر عنه ايما تعبير الممثل الشاب صالح بكري الذي يحمل في وجهه ونظرة عينيه مأساة شعبه وصلابة الصوان التي تجعل أبناء ذلك الشعب مرة تلو مرة يصعدون الى حتفهم باسمين وهم ينشدون «حتى ولو على حجر ذبحنا لن نقول نعم».
في نطاق هذه الحقبة وضمن الرؤية السياسية والفنية نفسها، تأتي أعمال هاني ابو اسعد. المعادلة بسيطة في أفلامه: احتلال يعني مقاومة. هذا عرف بشري منذ فجر التاريخ ولا يحتاج لتشريع من الامم المتحدة مع انها شرعته مشكورة. وهذا ما تقوله محامية عمر الاسرائيلية في فيلم «عمر» (2013) له وهو في السجن. ولكن شرعية المقاومة لا تعني أن رحلة النضال ستكون سهلة أو سريعة النتائج.
شبان وفتيات يريدون أن يحيوا حياتهم كسائر البشر، أن يحبوا ويعشقوا ويسهروا ويحلموا وينجبوا ويموتوا باسباب الموت العادية المملة من امراض وحوادث سير عابرة. ولكن حين تكون ارضك تحت الاحتلال، يصير الموت العادي ترفاً لا يحتمله الوضع، وتصير فلسطين عروساً مهرها الدماء كما كان الاساتذة يعلمون طلابهم مع دروس اللغة والحساب.
مسيرة النضال تلك ستحمل في طياتها الكثير من المفاجآت ليس اقلها وجود الخونة والعملاء. ويبدو أنّ ثنائية النضال والخيانة تتكرر في اعمال هاني ابو اسعد بحيث تصيران متلازمتين: نضال/ خيانة. في «الجنة الان» (2005) كما في «عمر» (2013)، المحرك الرئيس للشخصيات هو المقاومة وصنوها الخيانة بحيث يصير وجود الاول كأنه اساسي لوجود الثاني خاصة من ناحية سينمائية في افلام ابو اسعد. القصة في كلا الفيلمين تجد دفعها وتطورها في الخيانة تماماً كما في المقاومة. ولعل هذا الجانب هو ما أضعف فيلم «الجنة الآن» لكن في الوقت عينه ربما هو ما جعل شركة توزيع سينمائية اميركية كبرى مثل «وورنر براذرز» توزع الفيلم في الولايات المتحدة وتصل به الى «غولدن غلوبز» والى مسابقات «الاوسكار». الدافع الرئيس لسعيد (قيس ناشف) احد البطلين في الفيلم للقيام بعملية فدائية هو نوع من تبرئة اسم عائلته من وصمة الخيانة التي اتهم بها والده واودت بحياته. اذاً الاقتناع بالقضية ليس كلياً ربما بل هناك يأس من الاوضاع والسبل المسدودة للشباب الفلسطيني وفوق ذلك هناك وصمة الخيانة. لكن بغض النظر عن تلك النظرة المجهرية المقربة للدوافع الشخصية لشخصية سعيد، يظل الثابت أنّ المقاومة هي الحل. المقاومة الشريفة حيث الهدف لا المدنيين ولا الاطفال بل جنود الاحتلال. ينتهي فيلم «الجنة الآن» بوميض الانفجار الابيض في الحافلة التي تقل جنوداً، وينتهي فيلم «عمر» بسواد الموت ودوي الاقتصاص من المحقق الذي حوّل حياة عمر وحبيبته واصدقائه الى جحيم حتى وقع في الفخ واصطاده الفدائي المقاوم بكل ثقة وذكاء. ومهما كانت الدوافع والملابسات، يظل الحل الذي يقدمه المخرج أنّ المقاومة هي السبيل. وهذه هي الافلام التي تتطلبها المرحلة أو على الأقل لا بد من وجود أفلام كـ «عمر» حتى يبقى لدى هذا الشعب إحساس بأنّ نضاله وكل التضحيات والمعاناة والانتصارات وكل خيبات الامل تعني شيئاً وهي جزء من درب الجلجلة نحو الوطن والحرية وهي جزء من تاريخ وحكاية ذلك الشعب حين يحكي حكايته للعالم وللاجيال القادمة. ويكفي التفكير في كم الأفلام التي انتجتها الولايات المتحدة خلال سنوات الحرب العالمية الثانية من أجل شحذ همة الشعب الاميركي في مواجهة النازيين.
أفلام مثل «عمر» تقوم بهذا الدور، وزد على ذلك أنّ الفيلم في انتاجه وكل ما فيه فلسطيني ما عدا خمسة في المئة من التمويل قدمه مهرجان «دبي للافلام». الفيلم الفلسطيني كموضوع وكانتاج بات واضح المعالم وبدأ ياخذ شكله ودوره. وأتى ذلك ضمن النطاق التاريخ المنطقي لتطوّر الامور بطريقة طبيعية عفوية بحيث عكس كل جيل أفكار جيله وهمومه. يحكي فيلم عمر قصة ثلاثة اصدقاء تجمعهم الصداقة وحب الوطن. وتجمع اثنين منهما حب فتاة هي شقيقة الصديق الثالث. وهذه العلاقة بدون وجود احتلال يرزح فوق رؤوس الناس هي علاقة معقدة وتكفي بحد ذاتها لصنع فيلم، بل افلام عنها. ما كان يمكن أن يكون صراعاً بين صديقين على قلب فتاة، صار صراعاً على موقف من قضية اكبر وصار اختباراً اكبر للشخصيات. ما هو الثمن الذي كانت تلك الشخصيات مستعدة لان تدفعه ثمناً لذلك الحب؟ وهنا تكمن المأساة. قصة عادية كتلك لا تعود عادية حين يكون هناك احتلال متربص يحصي على الناس أنفاسهم. وفعلاً كما كان يقول المصطلح القديم «يعرف البيضة من باضها» ومن يحب من ومن تحمل من من؟ كله معروف وكله صالح للاستخدام لابتزاز شخصيات ليس لديها اساساً الكثير من الاوراق لتساوم بها. منهم من يختار الشهادة ومنهم من يختار الخيانة. والمحزن أنّ كل ذلك يحصل باسم الحب. ولكن في ارض تحت احتلال وحشي كاسرائيل لا يتورع عن اغتصاب كل خصوصيات الناس وكل اسرارهم ويستعملها ضدهم، يصير الحب ترفاً ووهماً. العاشق الحقيقي يفدي وطنه وحبيبته بدمه، والخائن يبيع وطنه وحبيبته بكذبه وخيانته. وكل لحظة هي لحظة اختبار وتجربة. كتب غابرييل غارسيا ماركيز روايته «الحب في من الكوليرا». فيلم هاني ابو اسعد هو عن الحب في زمن الطاعون. طاعون الاحتلال. وهل من طاعون اشد خطراً واكثر فتكاً بالناس من طاعون الاحتلال؟
«عمر» حكاية شخوص وناس فيهم الطيب والشرير. الا انهم جميعاً ضحايا وحش اكبر اسمه اسرائيل. عمر يحيا حياة عادية يعمل ويحب ويصادق ويمازح ثم يمشي نحو حتفه بثقة واقتناع تام.
لعل عمر يغني «سيقتلني حبي» كما في قصيدة عباس بيضون. حبه لوطنه وفتاته واصدقائه واهله وناسه تجعل من فلسطين «هيروشيما العاشق العربي» ومن عمر العاشق الفلسطيني الحقيقي كما وصفه محمود درويش «أنا العاشق السيء الحظ لا استطيع الذهاب اليك ولا استطيع الرجوع الي». لا هنا ولا هناك. لا منفى ولا وطن لا حياة ولا موت وليس سوي الحب كما قال المخرج هاني ابو اسعد سلاحاً ودواء في وجه طاعون الاحتلال.