غزة | على مساحة 500 متر، يلملم التشكيلي الفلسطيني رائد عيسى (38 سنة) بقايا أوراق وألوان ولوحات، محاولاً إيجاد ما قد يبدأ به رحلة طويلة لاستعادة ما فقده، أو ليمسك لوحة بين الأنقاض اختفت بعض ملامحها لكنها لخّصت كل الحكاية. شظايا الصواريخ روت قصة الدمار والخراب الذي حل بمنزله، وقضى على مئات اللوحات الفنية وذكريات أكثر من 15 عاماً.
لحظات أليمة عاشها الفنان الغزي وعائلته في مخيم البريج (وسط القطاع) تماماً كما عاشها أهل القطاع الذين فقدوا منازلهم وذكرياتهم بعد تلقّيهم اتصالاً هاتفياً يقول: «أخلِ منزلك، سندمره».
من المنزل المكوّن من خمسة طوابق الذي تسكنه ثماني عائلات، يعيش عيسى في الطابق الثاني. هناك، كرّس وقته وحياته للعمل في الفن الذي قاده للمشاركة في المهرجانات الدولية ممثلاً فلسطين.
لحظات سريعة مرّت وهم ينتظرون استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي منزلهم بصاروخين من طائرات الـ «اف 16» التي قسمت المنزل إلى نصفين وطيّرت أثاثه. هكذا، بدأت حكاية التشرد والنزوح للأسرة المكونة من 60 فرداً، حيث وجد عيسي نفسه من دون مأوى فيما تحوّل شقاء العمر إلى كومة ركام. «الاحتلال دمر نتاجي الفني بين عامي 1999 و 2004، أي ما يقارب 300 لوحة فنية تقدر قيمتها بآلاف الدولارات» هذا ما قاله عيسى قبل أن يعدّد أنواع لوحاته من بينها 200 لوحة «سكتش»، و80 بالحجم الكبير، و20 لوحة معلقة على جدران المنزل التي لم يعثر عليها حتى الآن من قوة الانفجار. ولحسن الحظ، فإن بعض لوحاته موجودة في بعض مؤسسات غزة.
حاول عيسى انتشال ما تبقى من لوحاته المدمرة تحت ركام المنزل عله يستعيد ذكرياتها ويحاول رسمها مرة أخرى. فكل لوحة مرتبطة بفكرة وحدث عايشه. لكن أجمل لوحاته المعلقة داخل المنزل احترقت، فيما استطاع إنقاذ بعض اللوحات التي تضررت جزئياً لكن يمكن إعادة رسمها مرة أخرى.
اليوم، يؤكد التشكيلي الفلسطيني أنه سيبدأ بإعادة رسم لوحاته ضمن مشروع يجسد معاناة البيت وتدمير المنازل الأخرى خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، فإصابات بعض اللوحات قد ترفع من سعرها في المستقبل. وهنا، دعا بعض المؤسسات الفنية في فلسطين وخارجها إلى دعم هذه اللوحات التي تحكي تاريخ الصراع والأهم أنّها شاهدة عليه.