تسبر فاطمة مرتضى العلاقة بين البشر والطبيعة في معرضها الجديد «حافظو الذاكرة» الذي تحتضنه غاليري LT حتى الثالث عشر من الجاري. تجارب فنية جريئة، تقنيات متنوّعة، عوالم غريبة، في مزيج من تشكيلات على القماش والرسوم والتلوينات والشخوص من قماش وأكريليك وحبر صيني وأقلام رصاص وقطع قماشية وخيوط وألوان مائية.
«المندراك» (مواد مختلفة على كانفاس ــ 70 × 50 سنتم ـــ 2023)

الوجه الأنثويّ طاغٍ وغالباً ما يكون انعكاساً لوجه الفنانة ومحيطها الطبيعي من أشجار ونبات وأزهار، أو المحيط المغلق ذي ورق الجدران الكثيف رغم أنّه يوحي بالسجن. الأنثى والطبيعة في علاقة صلة وتواصل، خصوصاً مع الشجرة التي لطالما رُبطت المرأة رمزياً بها عبر العصور. تحاول فاطمة استثمار رمزية هذه العلاقة بين الشجرة والمرأة، والورود والمرأة، والنباتات والمرأة. إنّها علاقة عضويّة رغم بعض دلالات الهشاشة والضعف المتماثلين. تفكّك جسد المرأة مثلما تفكّك عناصر الطبيعة، مستخدمةً أدوات الحياكة والخيط والنول والماكينة، كي تذوّب المرأة في عناصر الطبيعة ضمن عالم ذكوريّ عنيف. تمضي فاطمة في منحى سوريالي مشوّش للحواس (لو استعدنا فكرة للشاعر رامبو ). لكنّها وهي تسلك هذا المسلك، تقع قليلاً في التزيين التقليدي ومفردات الفن الحرفيّ (الأرتيزانا). البرّاني المزوّق يغلب المضمون أحياناً، فالسرّي في العلاقة التي أشرنا إليها حول المرأة والشجرة، مثلاً، يطمسه التزيين. الكولاج يخفّف من الأثر الرمزي. كان جديراً بالفنانة أن تلجأ إلى الفرشاة الحرّة، القويّة، فلا تمعن في الجماليات الشكلية المباشرة. تغدو اللعبة الفنية هنا محض تقنية أو حرفية، فلا بُعد ثالثاً ولا تأمّل، بل تنفيذ لفكرة لا تصوير لحالة.
المرأة والشجرة كينونتان هشّتان، خصوصاً في مجتمعنا الشرقي


الحسّي والغريزيّ بين الإنسان والطبيعة أمر غامض، سرّي، يفسده الأسلوب الواقعيّ المباشر. تيمة مماثلة تحتاج إلى «جنون» تشكيليّ لا إلى حرفة متقنة، وإلى ألوان عنيفة لا إلى تشكيل عاقل ومتزن. الشهوة قوة عمياء لا قوّة عاقلة. المرأة والشجرة كينونتان هشّتان، خصوصاً في مجتمعنا الشرقي. فالمرأة كانت تُحرق كساحرة في القرون الوسطى، مثل الشجرة التي تُقتلع وتقطّع وتُحرق في كل مكان. الجمال في الأصل هشّ. كل جمال على الأرض يحمل تلك الهشاشة. تُحرق المرأة إنّما تبقى صورة جمالها. تُحرق الشجرة لكن النار لا تأكل جذورها التي تبقى حيّة إلى الأبد. ليت فاطمة مرتضى استخدمت أدوات وتقنيات مختلفة لتيمة اختارتها طوعاً وبانت، على أهمّيتها ورمزيّتها، أدنى تأثيراً وعمقاً ممّا تحتاج إليه لإيصال سرّ العلاقة وأبعادها الروحيّة.

«حافظو الذاكرة»: حتى 13 حزيران (يونيو) ــــ غاليري LT (مار مخايل ـ بيروت) ـ للاستعلام: 71/781113