مؤسّسة «بيت تباريس» زينة صالح كيالي انطلقت من بعيد لتحقيق مشروعها هذا الذي أبصر النور في أيار 2022. تقول لنا: «أنا أكتب عن الموسيقى وقد أنشأت عدداً من المؤسسات الموسيقية بين فرنسا ولبنان. وعندما ورثت هذا المنزل (في التباريس)، قررت مع شريكي جوزيف مارون أن نرمّمه بعد انفجار المرفأ لأنه كان في حال سيئة وأن نقدّمه للشباب اللبناني. هناك أيضاً جانب عاطفي لهذا المكان، بما أنه منزل والدَي، والبيانو هو نفسه الذي كان يعزف عليه والدي الذي أجاد هذه الآلة». يساند كيالي فريق عمل ينظّم دروس الـ«ماستر كلاس». باختصار، «بيت تباريس» هو مساحة للموسيقيين الكلاسيكيين اللبنانيين ومسكن يمكث فيه المدعوون من الخارج طيلة فترة إعطائهم الـ«ماستر كلاس». في هذا الصدد، تشرح كيالي: «ندعو مؤدين كلاسيكيين أجانب كباراً لكي يقطنوا في المكان ويستقبلوا لمدة أسبوع موسيقيين في «ماستر كلاس» مجاني. استقبلنا أولاً عبد الرحمن الباشا الذي بقي أسبوعاً وقدّم «ماستر كلاس» بيانو كما قدّمت زوجته «ماستر كلاس» تشيلو. ثم استضفنا في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عازفين من الأوركسترا الوطنية الفرنسية سيلفيا كاريدو وباتريك ميسينا. وانتهينا للتو من «ماستر كلاس» فيولون مع عازف الفيولون الأساسي في أوبرا باريس أرنو نوفولون رافق خلاله سبعة طلاب وقدّم في نهايته حفلة موسيقية السبت الماضي. وفي موازاة هذا النشاط التعليمي، نقدّم حفلات موسيقية لمؤدين شباب لبنانيين لا يملكون حقاً مساحة موسيقية في صالة يمكنها أن تتسع لنحو 85 شخصاً». منذ انطلاقة المشروع قبل أشهر، تمكّنت كيالي من دعوة أسماء مرموقة في عالم الموسيقى الكلاسيكية. لكن الصعوبة لا تكمن في دعوة هؤلاء بما أنّها تملك شبكة علاقات جيّدة، بل في تأمين المال بطبيعة الحال. لذا تعتمد على مِنَح من المعهد الفرنسي وعلى مساعدات خاصة، كما أنها تضع من مالها الخاص. وفي نظرها أن المشروع بدأ يحلّق لأنه يرضي حاجة يتعطش إليها الشباب. من أين يأتي هؤلاء الطلاب العازفون الراغبون بالإفادة من نصائح كبار الموسيقى الكلاسيكية؟ معظمهم يدرس الموسيقى في المعهد الوطني العالي ولكن هذا ليس شرطاً، كما يطرح أسماءهم أساتذة ومدراء الأقسام في المعهد.
في إطار الحفلات الموسيقية التي يستضيفها «بيت تباريس»، أمسية تحمل عنوان «عندما تؤلف النساء» مساء الأحد، نستمع خلالها إلى السوبرانو لارا جوخادار والميتزو سوبرانو نتاشا نصار إضافة إلى عازفة البيانو بيتي كورتيان، علماً أن الأماكن حُجزت بالكامل تقريباً منذ الآن. تقول لنا كيالي: «كنت أودّ أن أنظّم حفلة موسيقية لمؤلفات لبنانيات فقط، لأنني أبحث كثيراً في الموسيقى اللبنانية الجادّة (musique savante) والمؤلفين اللبنانيين. فقررنا مع لارا وبيتي ونتاشا أن نقدّم حفلة مخصّصة للمؤلفات اللبنانيات. لكن نظراً إلى صعوبة التقيّد بمؤلفات لبنانيات فحسب، قررنا التوسع. قررنا أولاً تقديم عمل «ستابات ماتر» لفيولين برانس وهي مؤلفة لبنانية تعيش في فرنسا. ستكون المرة الأولى التي يؤدى فيها هذا العمل أمام جمهور. بعدئذٍ، وسّعنا البرنامج ليشمل مؤلفات من حقبات مختلفة. بات أشبه بموضة الآن الحديث عن مؤلفات نساء وإخراجهن عن صمتهن. وبما أن موسيقانا كانت تُنقل شفوياً قبل القرن العشرين، معظم المؤلفات معاصرات».
تكاد تكون الحفلات الموسيقية المخصصة لمؤلفات نساء شبه معدومة في لبنان، على الرغم من أهمية بعضهن وشهرتهن مثل ناديا بولانجيه، وسيسيل شاميناد وغيرهما. إضافة إلى ذلك، تجد كيالي أن وضع تيمة ما لحفلة موسيقية أمر مثير للاهتمام. في هذا الصدد، تعدّ مؤسسة «بيت تباريس» كتاباً عن المؤلِفات اللبنانيات بعدما كانت قد أصدرت كتاباً عن المؤلفين اللبنانيين.
في تفاصيل البرنامج، تؤدي كل من السوبرانو لارا جوخادار والميتزو سوبرانو نتاشا نصار مقطوعات منفردة، إضافة إلى أخرى مشتركة، وترافقهما عزفاً على البيانو بيتي كورتيان التي ستؤدي كذلك ثلاث مقطوعات منفردة على آلتها. أما بالنسبة إلى «ستابات ماتر» برانس، فهو عمل مكتوب للصوتين ولآلة البيانو وسيكون من المثير للاهتمام اكتشافه، خصوصاً أن صاحبته كان لها عدد من المؤلفات في السنوات السابقة. يشمل البرنامج كذلك مقطوعات من حقبات متنوعة من الباروك إلى الحقبة الرومانسية ثم المعاصرة. من جهتها، تحدّثت العازفة بيتي كورتيان عن البرنامج الذي يشمل أسماء مؤلفات معروفات، غير أن أعمالهن لا تُعزف كبقية المؤلفين عادة مثل فاني مندلسن وسيسيل شاميناد. في ما يتعلّق بالمؤلفة اللبنانية ماتيلد الحاج، فقد تخصّصت في العلوم الموسيقية قبل انتقالها إلى باريس. وأحبت كورتيان تقديم مقطوعتَي تمهيد prélude لا تونالية، من تأليفها، إحداهما بعنوان «بصيص أمل» (Un brin d’espoir)، تظهر الأمل الموجود فينا بعد كل الصعوبات التي مررنا فيها، وليس كلبنانيين فحسب وفق كورتيان، وأخرى عنوانها «نحو المجهول» Vers L’inconnu وهي نوع من البحث تتقدم لتصبح أكثر كثافة وتنتهي في مكان تائه كما يدلّ عنوانها.

* «عندما تؤلف النساء»: الأحد س:19:00 ـــ «بيت تباريس» (الأشرفية ــ تقاطع شارعَي لبنان والقلبَين الأقدسَين).