مع نهاية عام 2022، تُنهي «مكتبة الساقي» في لندن رحلتها المتواصلة منذ عام 1978. هذا ما أعلنته «دار الساقي» أخيراً عبر حسابها الرسمي على تويتر، إذ غرّدت: «وداعاً لمكتبة لندن الشهيرة: «دار الساقي للكتب» تمثّل حرية الفكر والتعبير والتنوع الثقافي والتعاطف مع جميع الشعوب... ستبقى كتب «الساقي»، والمكتبة دائماً في قلوبنا». إقفال أكبر مكتبة متخصّصة في إصدارات الشرق الأوسط في أوروبا أبوابها في العاصمة البريطانية، لا يعني أنّ إرثها سيندثر، بل يستمرّ مع داري النشر المستقلّتين: «دار الساقي» للنشر العربي في بيروت وSaqi Books للنشر الإنكليزي في لندن.
بدأت قصة «مكتبة الساقي» في مدينة الضباب مع سلوى وأندريه غاسبار وصديقتهما الكاتبة الراحلة مي غصوب في منطقة بايزووتر. استقرّ الثلاثي في لندن بعد فرارهم من بيروت خلال الحرب الأهلية اللبنانية. وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، اكتسبت المكتبة سمعة طيبة كمصدر موثوق للأدب العالي الجودة من العالم العربي. واجتذبت المغتربين العرب وتغلّبت على انتكاسات عدّة، بما في ذلك تعرض نوافذها للتحطيم خلال حرب الخليج الثانية، بعد صدور كتاب سلمان رشدي الإشكالي «آيات شيطانية».
في تصريحات إعلامية، أرجعت سلوى غاسبار قرار الإغلاق إلى «ارتفاع تكاليف المنتجات القادمة من الخارج، وهو ما يزيد من الضغوطات على المكتبة»، موضحةً أنّ «الوضع الاقتصادي في المملكة المتحدة ليس هو المشكلة الوحيدة... اعتدنا الحصول على كتبنا من الدول العربية وقد أصبحت أغلى ثمناً، ولا يمكننا الاستمرار هكذا. فالوضع ليس مستداماً».
وشدّدت غاسبار على أنّ الاضطرابات الاقتصادية الأخيرة التي عصفت بلبنان جعلت شراء الكتب «مستحيلاً» لأنّ الأسعار في البلاد «ارتفعت بشكل مفرط». وتابعت: «كان على الناشرين رفعها للحفاظ على النشاط حيث تضاعفت كلفة الورق والشحن.. هناك عامل آخر وهو سعر الصرف، الذي لم يعد مناسباً لنا، كنا ندفع بالدولار الأميركي».
على خطٍّ موازٍ، تشكّل أزمة تكلفة المعيشة في المملكة المتحدة عامل ضغط إضافياً على المكتبة، إذ أصبحت تكاليف التشغيل «مرتفعة للغاية»، وقد لاحظ الموظفون «انخفاض المبيعات»، وهو ما تعتقد غاسبار أنّه عائد جزئياً إلى قلة عدد العرب الذين يزورون لندن.
كما اعتبرت أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير بسبب تراجع المبيعات: «اعتدنا على بيع العديد من الكتب إلى الاتحاد الأوروبي، وهو أمر لم يعد ممكناً بسبب التشريعات وما إلى ذلك... تشتري المكتبات العربية في المملكة المتحدة، وهي جزء مهم آخر من أعمالنا، عدداً أقل بكثير من الكتب. وفقدنا جزءاً كبيراً من قاعدة عملائنا لأنّ الزوار العرب من الخارج لا يزورون المكتبة بالوتيرة نفسها. هناك أيضاً مشكلة تتعلق بالأجيال: الشباب لا يتوقفون عند مرورهم كما فعل آباؤهم».
وحالياً، تسعى «مكتبة الساقي» لبيع مخزونها حتى نهاية العام قبل أن تغلق أبوابها للمرة الأخيرة في 31 كانون الأوّل (ديسمبر) 2022.