قد لا تجد لها مكاناً واسعاً بين البيوت والأزقة، لكن ضيق المكان يجعلها تبحث عن أصحابها. هي الصغيرة التي تسقط داخل البيت في الحديقة فجأة، بينما يتوقف الصغار عن اللعب، ليبحثوا مجدداً عنها، أو تسقط عالياً على سطح البيت المجاور فيذهب أحد الصغار ليطرق على باب البيت ويطلب من صاحب البيت أن يصعد إلى السطح ليأخذها. هل هذه أحد تفاصيل اللعبة وقوانينها؟ لا لكنها تحدث في مكان اسمه المخيم. مكان يبحث عن ملعب أوسع، يعرف هؤلاء الأطفال أن خيالهم هو الملعب ويعرفون كل يوم أن الحياة ستمنحهم ملعباً خاصاً ربما أوسع، وأن الكرة الوحيدة المتبقية أمامهم هي المستقبل. لذلك تقفز تلك الكرة بين أوقات فراغهم المسروقة بين المدرسة والبيت وكأنهم حين يركضون خلفها يشعرون أن العالم يلتفت إليهم.تكبر تلك الطابة مع الأحلام وبين البيوت، لتشاهد ضحكات تختلط بالجدران. هل تعود إلى الوراء لتشاهد أحلام أطفال آخرين سكنوا هذا المكان؟ أم أنها ستصطدم بالذاكرة لتروي النكبة كما فعلت الأحلام التي كبرت وما زالت تسرد الماضي، لكن الفرح لم يمنعها لكي تمرر الحب إلى ذاك الزقاق البعيد المضيء حيث يرى الأطفال بيتاً بعيداً بنوه مرة في المخيلة.
هذه الطابة الصغيرة تكبر كل يوم، كلما لامسها طفل المخيم وألقى بها بقوة قدميه إلى مرمى آخر من حجرين صغيرين يضعهما بعيداً. حجران يشبهان تلك الحجارة التي تملأ المخيم بالبيوت، ستمر الطابة إذن من مرمى الإسمنت وقد تتجاوز الإسمنت لتسجل أهدافاً أخرى، كأنّها تقول كما يقول ذاك الطفل الصغير: أريد أن ألعب. تحمل هذه الطابة لغتها الخاصة وتقول ما تريد في عالم لا يتسع لها، تطير أحياناً في الفضاء كأن حكايتها الأخرى أكثر قوة، فهي اللعبة التي تقول أشياء كثيرة بصمت، كأن الطفل الذي يسمي نفسه ميسي أو رونالدو، يعلم جيداً أنه في مخيم لكنه لا ينسى أيضاً أن الكرة ستحفظ ركلته واسمه الحقيقي وأنها ستنسى المكان وتأخذه يوماً بعيداً ليلحق بها، فلا تعلق عند الجيران بل في ملعب آخر لونه أخضر ولا تحيط به البيوت، عندها سينادي على أصدقائه بصوت عال. تعالوا تعالوا....
في الأزقة أيضاً، يسمع الأطفال صدى صرخات اللاعبين في التلفزيون، فيدخل العالم إلى هذا المكان، ليس كما يمد رأسه في الحروب، إنه يدخل هذه المرة بهذه الكرة فيهتف الأطفال للبرازيل وألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، ليقلد الأطفال أجمل الأهداف وقصّات شعر اللاعبين وربما يسقط سؤال أحدهم لأبيه أو لأمه: هل إسبانيا معنا؟
قد يهاجر هؤلاء الصغار حين يكبرون إلى ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا ليلحقوا بمستقبلهم ويتركون تلك الطابة في المخيم تنتظر، قد تصبح في أيدي أطفال آخرين أو تنتظر حتى يبني العالم لهم ملعباً، وكلما صارت الكرة قوية وكبيرة، اصطدمت بالكثيرة من العقبات، ربما لأن أصحابها أيضاً يكبرون وربما لأن الأحلام التي تكبر تظل تبحث عن ملاعب وساحات لكي تقفز بمرونة وتسقط بنعومة بين يدي لاعب ماهر. في المخيم، لا وقت لدى الكرة لتشتبك بأشياء كثيرة، فهي مشغولة بأحلامها، إنها تظل على موعد مؤجل مع ملعب يتسع كل يوم في الخيال، كأنها تريد أن تقفز فوق الآلام وترسم ضحكة ليست افتراضية بل حقيقية، فكلما مرت فوق حبل غسيل هناك واتسخت ملابس طفل سيذهب بها إلى المدرسة. لكن الأحلام التي تولد في هذا المكان، ستظل مثل الكرات الملونة التي تتيه في الطرقات لكنها تصل إلى مكانها الحقيقي.