إحدى وثلاثون لوحة لشارل خوري معلّقة في «غاليري مارك هاشم» تحت عنوان «ما وراء الحدود». المعرض الذي يستمرّ حتى 22 من الشهر الحالي، يجمع عالم الحيوان والطبيعة وطقوس البيئة الإنسانيّة، استناداً إلى مخيّلة هندسيّة كثيفة الأشكال والخطوط والألوان، في توازن دقيق بين الخطّ واللون. يحترم الفنان اللبناني عين الناظر إلى لوحته بمراعاة سطح اللوحة وعمقها، النافر والمتواري فيها، باعتناء شديد محدّد العناصر والأحجام والمساحات. الواقعيّ والخياليّ متناغمان، كذلك الألوان الحارّة والباردة، والضوء والظلّ، حتى إنّ الأبعاد تبدو كأنّها منحوتة فوق سطح مستوٍ منمنم حيث تتشابك التأثيرات الشكلية والإيماءات النفسيّة. الأشكال في لوحة خوري هذيانيّة، طفوليّة، قريبة من المخيّلة السورياليّة المتدفّقة أوتوماتيكيّاً، كالصور الشعرّية التي تؤدّي إلى نوع من النشوة الجماليّة. كثافة من الكائنات والألوان والإيقاعات تصبّ في التجريد إنّما مع أسلبة وهندسيّات متوازنة، مربّعة أو مستطيلة، منحنية أو مستديرة، في مزيج شكلانيّ - لونيّ وغموض يتلبّس الشعر. ثمة في لوحاته ما يشيع فرحاً وأملاً وغواية بصريّة، بعيداً «ما وراء الحدود» ‏لو عدنا إلى عنوان المعرض. هذا المزيج من الكائنات الطبيعيّة، الحيوانيّة والإنسانيّة، غير ملتقية بأسلوب كلاسيكيّ، بل برؤية سورياليّة مليئة بالغرابة التي ميّزت السورياليّة والدادائيّة في الربع الأول من القرن العشرين مع أمثال دالي وماكس جاكوب. تناثر العناصر أراده الفنان ركيزة للوحته السورياليّة المجرّدة من المعاني اليقينيّة الواضحة. تحضرنا هنا لوحة «غيرينيكا» للرائد بيكاسو من وحي الحرب الأهليّة الإسبانية، حيث تزدحم العناصر والكائنات والخطوط (التي تشي في أيّ حال بعنف الحرب ومآسيها) ضمن جداريّة- تحفة هي إلى اليوم مرجع أساس لكل فنّان حديث ومعاصر. لوحة شارل خوري سوريالية متأخّرة تغيب عنها الدلالات لتلبث في الإطار التشكيليّ التزيينيّ ولا تتعدّاه إلى المعاني الكبرى. كأنّ سورياليّته تبقى على السطح ولا تتجاوزه إلى عمق الدلالة والموضوع. غنائيّة لونيّة وهندسيّة ‏متناغمة ومتآلفة لا تفسّر حتى عنوان المعرض الذي لا نرى صدى معانيه في لوحاته المتماثلة وإن تكن جاذبة للعين، شكلانيّاً لا مضموناً، سواء كان ساخراً أو رافضاً أو متماهياً مع بعض الأفكار التي تخصّ الواقع الإنسانيّ. إنّه معرض اللوحة الواحدة المتكرّرة، ضيّقة الأفق والمعاني، لا تترك - باستثناء الشكل واللون - أثراً عميقاً في الناظر إليها، فإن كانت ثمة إشارات ودلالات، فإنّها ظلّت في نطاق «النوايا» التعبيريّة ولم تصل إلينا بالوضوح الذي يطبع «غيرينيكا» رغم تجريدها وحداثتها.
* «ما وراء الحدود» لشارل خوري: حتى 22 تشرين الثاني (نوفمبر) ـــ «غاليري مارك هاشم» (مينا الحصن ـ بيروت) ــ للاستعلام: 01/999313