الفوتوغرافيا تحت الماء ليست الأسهل على الإطلاق، إذ تحتاج إلى معدّات تقنيّة عالية (كاميرات ضدّ تسرّب الماء، عدسات خاصة، أذرع تثبيت للحركة…)، كما تعوزها معرفة بالعالم الغنيّ والجميل تحت الماء. هذه التحدّيات تجعل التصوير بحراً أو نهراً أو حوض سباحة مسألةً معقّدةً وشاقّة كشكل فنيّ تعبيريّ كاشف. والمصوّر الفوتوغرافيّ تحت الماء، يُدرك مسبقاً أنّ تأثير أعماله وتكويناته الفنيّة سيكون قويّاً لدى مشاهدي أعماله في المعارض.

من أشهر فوتوغرافيّي تحت الماء وفوقه عالميّاً يمكن أن نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، توماس بيشاك الذي يعمل لحساب «ناشيونال جيوغرافيك» وتتميّز أعماله بسمات تكوينيّة خاصّة، وايلينا كاليس التي أفادت إلى الحدّ الأقصى من نقاء المياه في الباهاماس لتبدع مشهديّاتها التي تجمع الماء والشجر والإنسان (الغطّاس) في كادر واحد بديع الألوان والتوازنات، إلى جايسن واشنطن الذي أدخل حركات الجمباز، الأنثويّة بشكل خاص، ‏تحت الماء مثل كوريغرافيا راقصة فوق حطام سفينة قديمة صدئة، غارقة منذ زمن بعيد، وتوحي فوتوغرافيّة له مؤلّفة من هذين العنصرين (الحسناء الجمبازيّة والسفينة الغارقة) عيناً فنّية أنيقة وموهبة خارقة وحرفيّة عالية. لدينا كذلك فوتوغرافيّات الروسيّة ايرينا كازاكوفا التي تلجأ أيضاً إلى «الكوريغرافيا الجمبازيّة» على نحو خلّاق، كما في فوتوغرافيّة لها تُظْهر لاعبة جمباز فائقة الجمال والأنوثة، تقوم بحركة جمبازية أفقيّة في حوض سباحة وتنعكس حركتها على سطح ماء الحوض… والقائمة تطول.
‏ندخل من هنا إلى معرض الفوتوغرافيّ اللبنانيّ خضر شرّي في «بيت الصورة» (الجمّيزة) الذي نظّمته «غاليري آرت ديستريكت» (يستمرّ لغاية 12 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل) ويضم لوحاته الفوتوغرافية ذات الثيمة الواحدة والموقع الواحد، أي البحر والغطّاسين ‏في شكل أساسيّ، تحت عنوان «الحركة والسكون»، مصوّباً كاميراه وإضاءته على البحر والموج، بجنونهما وسكونهما، وعلى راكبي الموج الذين يغامرون بمتعة وشجاعة للتغلّب على «عدوانيّة» الأمواج العالية أو العاتية، في تحدّ لافت يقطع الأنفاس.
‏في هذا المعرض الجميل، الآسر للعين والمشاعر، نتأمّل طويلاً في خمسة عشر فوتوغرافيّة ذات مقاس كبير، بالألوان أو بالأبيض والأسود، وفيها غوّاصون وراكبو موج في وضعيّات متنوّعة تنطوي على انفعالات قويّة ومناظر بديعة. وخضر شرّي غوّاص محترف ليتمكّن من أن يكون فوتوغرافيّاً معبّراً وذا عين فنيّة أنيقة وماهرة. زاول رياضة الغوص في بحار العالم أجمع، ما كشف لناظِرَيه الطبقات السفليّة للأمواج أشكالاً وألواناً، فسخّر معرفته بها لتكوين فوتوغرافيّاته على نحو اصطفائيّ انتقائيّ. أمّا راكبو الموج في البحار والمحيطات، فيكسرون الموج برقصات والتفافات جميلة، مدهشة، للنجاح وتجاوز الخطر.
كلّ صورة تروي مغامرة وتكشف مشاعر وانفعالات

وزوايا العدسة ذات الفتحة الواسعة ترصد أدقّ اللحظات، وكلّ فوتوغرافيّة تروي مغامرة وتكشف مشاعر وانفعالات، وسط تنوّع لونيّ يخطف الأنظار، حتى من خلال التضادّ (الكونتراست) بين الأبيض والأسود في الفوتوغرافيات غير الملوّنة.
خضر شرّي خرّيج الجامعة اللبنانية، بدأ حياته المهنية كمصوّر فوتوغرافيّ على بلاتوه الأفلام السينمائيّة. ولكونه مدير إنتاج في مختبر Nardulli، عمل مع مصوّرين محترفين كثر بينهم هيرب ريتس، وهيلموت نيوتن، وماثيو رولستون، ونورمان جان روي، ودان وينترز، وآني ليبوفيتز، وآخرون. كما عمل في مجلة «تايم» الأميركية و«ناشيونال جيوغرافيك» و«فوغ». وهو خبير في التنقيح الرقمي، ومنسّق ماهر للمعارض والمتاحف. كذلك يتولّى منصب المدير الإبداعي لـ A&I Fine Art & Photography، مقدّماً إلى الفنانين استشارات ذات منهج علميّ. علماً أنّه مقيم حالياً في الولايات المتحدة. أمّا معرضه القائم اليوم في بيروت فللزيارة بلا أدنى تردّد.

* «الحركة والسكون» لخضر شرّي: حتى 12 تشرين الثاني (نوفمبر) ــ «بيت الصورة» (الجمّيزة) ـــ للاستعلام: 81/680069