يأتينا جان مارك نحّاس (1963) غير الطارئ على عالم اللوحة والتشكيل، وذو الحضور السابق في الزخرفة الخطّية والزخرفة اللونيّة، بأسلوب مختلف وملوانة مغايرة في معرضه «بيروت، حتى الجنون» الذي يختتم اليوم في غاليري The LT (مار مخايل ــ بيروت). ثمّة فرق بين البساطة والتبسيط، وأسلوب نحّاس الجديد. في معرضه هذا، يميل إلى النهج الثاني، مبسّطاً التقطيعات داخل اللوحة الواحدة (كادرات متفرّقة ضمن كادر واحد) والشخوص والوضعيّات والأفكار المختلفة التي يحاول خلق تآلف في ما بينها، ونادراً ما ينجح في ذلك.
من المعرض

فالجمع بين العناصر والشخوص المتنافرة لا يتمّ، إذ لا تلتئم ولا تتناغم في تعبير واحد أو قول جامع، ولا يمكن «افتراض» خطاب للوحة، إن لم يكن هذا الخطاب فارضاً انسجامه ووحدته، حتى لو كانت غاية الرسّام هنا إيصال فكرة التبعثر والتشظّي اللذين تسبّبت بهما الحروب والمآسي. التبسيط هنا يبدّد المعنى والدلالة، مثل طفل يلهو بمكعّبات مصوّرة بلا هدف سوى رصفها جنباً إلى جنب. حتى إنّنا نتساءل لدى وقوفنا أمام لوحات المعرض: لِمَ هذا يا جان-مارك؟ لِمَ هذه الوجوه المتعدّدة في أطر متحاذية ضمن إطار واحد لا رابط بينها ولا صلة سوى القول التبسيطيّ: ‏هذه نماذج بشرية من مختلف الحالات والفئات والأعمار يهدّدها، مثلاً، مسدّس يصوّبه نحوها فاشيّ قاتل؟ وهل في ذلك جدّة أو ابتكار أو معنى عميق غير مألوف؟!
‏الشخوص والوجوه المتحاذية في لوحات جان مارك غير مثيرة للاهتمام، لا تحرّك المشاعر ‏ولا توصل الفكرة المبتغاة، فما الحاجة إليها إذن إن كانت لا توصل معنى ولا تولّد شعوراً؟
‏نزعة تشكيليّة طفوليّة تطغى على لوحات جان مارك نحّاس لا تنقذها الألوان الطفوليّة بدورها من نوع الـ Rose Bonbon كالزهر أو الفوشيا! وهنا يظهر جليّاً أنّ ابتعاد نحّاس عن ملعبه السابق الذي كان غنيّاً بضربات الحبر الأسود وموصلاً ندوب الحرب الأهلية في لبنان، أوقع في فشل تشكيليّ تعبيراً وتصوّراً (concept) ولوناً. وبالتالي، إن كان من حق أيّ فنّان تبديل الأسلوب والاتجاه، فإنّما للإتيان بما هو أفضل وأكثر متانةً وإبهاراً وعمقاً، لا فقدان هذه العناصر معاً وفي وقت واحد. كأنّ نحّاس، الذي أفسح لنفسه في المراحل السابقة حضوراً ضمن الحركة التشكيليّة اللبنانية، خطا خطوة إلى الوراء بتسرّعه (لوحات متسرّعة بشكل واضح) وسذاجة المعاني في لوحاته ومباشرتها وكاريكاتوريتها المختزلة أو مأساويّتها المزعومة.
خسر جان مارك نحّاس الرهان بخروجه من ‏أسلوبه وملعبه القديمين، وكان حريّاً به ألّا يفعل طالما أنّ «الإنسان هو الأسلوب»، ولا ضير في أن يستمرّ الفنان بأسلوب واحد حين يكون متجلّياً فيه، وحين يغدو سمته وبصمته وعالمه الخاص. يجب ألّا نبارح ما نبرع فيه ويضمن لنا حضوراً ثابتاً وقيمة فنّية.

* «بيروت، حتى الجنون»: لغاية اليوم ـــ غاليري The LT (مار مخايل ــ بيروت) ـ للاستعلام: 71/781113