عن «دار أبجديات» في تونس صدرت السيرة الذاتية للمسرحي توفيق الجبالي (1941 )بعنوان «توفيق الجبالي سيرة تمرد وإبداع وصدف» في صياغة لكريم السمعلي (1969). يمكن اعتبار الكتاب أول سيرة ذاتية لفنان مسرحي في تونس كان فاعلاً وشاهداً على أبرز التحولات التي عرفتها تونس خلال حوالي نصف قرن، وخاصة مسيرة المسرح التونسي وهذه السيرة في الحقيقة ليست سيرة الجبالي فقط بل سيرة لجيله من فاضل الجعايبي وفاضل الجزيري ورجاء فرحات ورجاء بن عمار ومنصف الصايم وغيرهم.
تحدّث الجبالي عن نشأته في مدينة قصر هلال في الساحل التونسي، مشيراً إلى أن طفولته كان فيها شيء من القسوة. إذ كان والده معلماً من خريجي جامع الزيتونة، وكان يعتمد العقاب بالضرب مع التلاميذ بمن فيهم ابنه توفيق وهي صيغة كانت معتمدة في التعليم في تونس طيلة سنوات. يقول الجبالي إنّ هذه «القسوة» كانت سبباً في نفوره المبكر من التعليم.
وكشف في سيرته عن انتقال العائلة إلى تونس العاصمة والتحاقه بفرقة الإذاعة للتمثيل وشغفه بالإيقاع ونشاطه في الشبيبة المدرسية وهجرته إلى باريس وعمله في الإذاعة الفرنسية الناطقة بالعربية واحداث مايو 1968كما عاشها وعودته إلى تونس واقامته في القاهرة ورد فعل الشارع المصري على أتفاقية كامبد ديفيد كما عاشها.
في هذه السيرة الذاتية، يكشف توفيق الجبالي عن تفاصيل مهمة في محطات أساسية في المسرح التونسي منها تأسيس مركز الفن المسرحي الذي درس فيه الجبالي مع الجزيري والجعايبي والحبيب المسروقي ومحمد أدريس وتأسيس «المسرح الجديد» كأول فرقة مستقلة في تونس. وقال إنّ المناخ الذي كان سائداً بين المجموعة المؤسسة (الجعايبي والجزيري وادريس والمسروقي) لم يشجعه على البقاء معهم ولم يخف أسفه عندما يتم تجاهله عند الحديث عن هذه التجربة كأحد المؤسسين.
وبعد «المسرح الجديد»، تحدّث عن تجربة «مسرح فو» مع منصف الصايم ورجاء عمّار، ثم تجربة مسرح المجموعة مع رجاء فرحات وصولاً إلى تأسيس «مسرح سيني مار» ثم «التياترو» الذي منحه مع رفيقة دربه زينب فرحات أجنحة.
وأشار الجبالي إلى تجربته النقابية في تأسيس «اتحاد المسرحيين التونسيين» ونقابة المسرحيين، لكن فاضل الجزيري خذلهم في هذه التجربة بل «خانهم» على حد تعبيره.
هذه السيرة كانت شاملة لم يغفل فيها الجبالي جانباً من جوانب حياته ورؤيته لعدد من القضايا منها فلسطين والسياسة وعلاقته بالسياسيين وعلاقته بوزراء الثقافة التي كان فيها المد والجزر، ولكن وزارة الثقافة كانت عادة تعرقل المشاريع الثقافية والابداعية بسبب البيروقراطية.
وتوقف طويلا ًعند تجربة «التياترو»، مؤكداً على أن نجاح سلسلة «كلام الليل» جعل الجمهور الواسع يتجاهل بقية أعمال التياترو وتوقف عند بعض الأعمال، كما تحدّث عن تجربة «التياترو استوديو» و هو مختبر للتكوين المسرحي تخرّج منه عدد كبير من أبرز المسرحيين الشباب الذين يتصدرون المشهد المسرحي والسينمائي والتلفزيوني اليوم.
هذه السيرة رحلة ممتعة في ثنايا المسرح التونسي وشهادة على نصف قرن من المسرح التونسي وأبرز الفاعلين فيه ومرآة اكتشفنا من خلالها واحداً من أبرز المسرحيين التونسيين ومن أكثرهم إثارة للجدل.