لملمت بيروت أسرابَ الأمل وقصص الحب ودفاتر الضحكات، وعلى وجنتيها انتحرت كل أنواع المشاغبات الطفولية وزهوة المراهقة وقلق الأقلام، فتعالت عند هنيهةٍ مجرمةٍ الآهات صارخةً أيها الوقت الحزين المفترش وسادة الأحجار تراجع، فلم يعد للصبر من سبيل فهو لا يولد قهراً من رحم الدماء ونضج الجلود المبعثرة والأشلاء الممزقة الحالمة منذ لحظات...قلت للنهارات تواضعي وانشري شيئاً من نور على مذبح الشهداء واقتلعي كل إحساس غريب وازرعي أزهاراً على أسطح بيوت مدمرة نبتت من بين شقوقها أشجار علّيق الأوجاع ترسم ألف صورة وصورة خارج كل لحظات هجينة تحاكي الندى في خجله المعتصر ألماً من وحش الذكريات، لم تعد للصباحات من لطافة معهودة، بل حرارة آب اللئيمة اقتاتت على رائحة البارود والنار..
عابرون من تحت الركام حاملون للجنائز مستبشرون بوجه شمس آخر يحيك ثياب العودة إلى سيقان عدالة على استحياء، في قلوبهم غصص إلى نضارة حق لم يكتمل، إلى شواطئ ترسو على رماله سفن الأمل بأنّ فراشات الحق ستطير من جديد زاهية تغطي رحيق المرارات، إلى خصيب عفّةٍ تلوّن الأيام الكالحة، وتخيط الغيوم بإبرة العزيمة تحت سماء عاصفة أفئدة من تظلّلهم هواء...
ترى مواكب البلاء وأمواج العناء هجمت ولكن... ستحط رحالها يوماً على مفترق كل طريق يقاوم عفونة يغذيها الظلام، وتبقى جداول الدماء من كرمى العيون ينبجس من معينها الرجاء في شرايين قصائد تحنّ إلى قيثارة الوجود وتأنس لعزفها أسرارٌ تعانق الأسرار...

* كاتب لبناني