الشّاشةُ الزّرقاء مزدحمةٌ بالأسماءِ والأرقام والصّور العاريةِ ونصف العاريةِ والكؤوسِ الحمراء والصّفراء كنتُ أرقبُه وأتساءل:ترى عن ماذا يبحثُ صديقي المشاكسُ عند الصّباحِ؟ مؤشّرُ البحثِ يواصلُ حركتهُ النّشطة كأنه يريدُ أن يقبضَ على عطرِ الياسمينِ المتسلّلِ من رحم النّدى. يتابعُ المؤشّر البحثَ يعثرُ على بروشوراتٍ... خطاباتٍ .. هتافاتٍ...مسيراتٍ... مؤتمراتٍ... يتوقّف المؤشّر اللعين الذي أفقدني أعصابي عند قطعٍ من الدّمِ مغلّفة برسالةٍ كُتِبَ عليها «سرّي للغاية» أطلقَ صديقي ضحكةً مدويّة ثم قال : منذ أيّام «مكماهونَ» هذا المسلسل وما زال العرضُ متواصلاً.
لقد خجلتُ أن أسألَهُ عن «مكماهونَ» هذا من يكون، خوفاً من أن ينعتني بالجاهلِ ولا أجيدُ قراءةَ التّاريخ ، لأنّ صديقي لسانُه أقوى من عاصفةِ الصّحراء،
تابعَ تشغيل مؤشّر البحث ثانيةً، توقّف عند صفحةٍ راح يقلّبُ صفحاتِها يتأمّل صورَها وكتاباتها، تمتمَ لم أفهم عليه شيئاً كأنّه يتحدّث العربيّة بنكهةٍ فرنسيّة،
أمسكَ قلمه القديمَ الشّاهد على البراق والقسّام والحسيني وبدأ يكتبُ:
أصبحتِ تشبهينَ ثغرَ رغيفِ الخبز عندما غفوتِ فوقَ رخامِ كلماتي..
كنتِ تعلمينَ أنّ القصيدةَ التي أهديتكِ إيّاها قرب شرفةِ الشّاطىء الغارقِ في حضنِ الرّمل ستفجرُ براكينُ الأسئلة الصّعبة لديكِ عندما تضعينَ رأسك فوق وسادةِ اللّيل...
لماذا أنا يا هذا؟
أعرفُ أنّ الغربةَ تركتْ روحَك وجسدك مكشوفين لأنيابِ الشّمس والرّيح تنهشُ بهما منذ مطلعِ الحنينِ وحتّى لقاءِ الحلم خلسةً مع القدر..
لماذا أنا؟
وأنت تعرفُ أنني أسبحُ في بحرٍ من الحصاراتِ وأنتظرك لتقصَّ جنازيرَ الأشقّاء الصدئة عن خصري المرهقِ وأنا سأقصُّ عنقَ التّاريخ المزوّر....
سأهديكِ قصيدةً لتنامي على بعد حلمينِ وخطوةٍ وانظري إلى شمعةِ الشّوق كيف تحترقُ عندما تراقصها ريحُ الغيابِ الحضورِ ..
سأهديكِ قطعةً من المدى وكمشةَ زعترٍ من سفوحِ قلبي لكن لا تنسي أن تضعي ضمّةَ الزّيزفون فوقَ ذاكَ الدّم الحارّ المتدفّق من جنباتِ القيامةِ وأسوارِ المهدِ حتّى باحاتِ الأقصى....

* بيروت/ لبنان