سامي سماحة في «إعادة البناء واستكمال التأسيس» (دار دلمون للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2021)، في وقته، مع ذكرى تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، أي في عيده التاسع والثمانين، حين كان مشرّع دستوره أنطون سعادة لمّا يبلغ الثلاثين بعد، فأوجد قاعدة نخبوية نابضة حتى الساعة، من غزة على المتوسط إلى البصرة على الخليج، فأوقد في كلّ سطر وحبر لهيب النفسية السورية، فاستعرت على مدى جغرافية الهلال الخصيب جذوة حيّة بعد اثنين وسبعين عاماً على غياب الزعيم دلالة مأثورة على ديناميّة فكره. زيد القطريب يقدّم الكتاب، فيرى ضرورة العودة إلى الينابيع السعادية من دون الانشغال بالسواقي الموسمية، ومن هنا وقوعه على متعة فكرية ووجدانية في كتاب سماحة، إذ إنه يحفر عميقاً في الوجدان القومي.

في البدء، «ينقضّ» الرفيق سماحة على كمال يوسف الحاج وشارل مالك لتبنّي الأول علّة وجود لبنان كامنة في الميثاق ولانزياح الثاني إلى اعتبار الموارنة حماة المسيحيّة في دنيا العرب. ولأنّ الاثنين درسا الفلسفة ودرّساها في أميركية بيروت حيث درَستها ودرّستها، وعاصرتُ الثاني وقرأته واطلعتُ على فكرِ الأوّل جملة وتفصيلاً، فانّني أكنّ لهما تقديراً وإن اختلفت معهما في مواقف شتّى، فللإثنين باع في الموقف الفلسفي، إلا أن لسعادة موقفاً أتبنّاه على الدوام ولا أحيد عنه قيد
أُنملة.
يردّنا الرفيق سماحة إلى الندوة الثقافية التي أنشأها الزعيم عام 1937 وكان ناموسها الأديب الفذّ فؤاد سليمان، لكن غياب سعادة عن بيروت من 1938 إلى 1947 حال دون بقائها، فأعادها بدءاً من 1948 وشرح في محاضراتها العشر مبادئ حزبه لإدراكه أن غيابه عرّض الحزب لانحراف خطير، فأدخل تعديلاً دستورياً وأنشأ بموجبه عمدة للتربية والشباب، وألحّ على أن مبدأ الأمة المسلحة هو المبدأ الوحيد الذي يجب أن تتمسّك به كل أمة لا تريد الاضحلال، أي على قاعدة أن القوة هي القول الفصل في إثبات الحقّ أو إنكاره.
كتاب الرفيق سماحة ردّ اعتبار إلى فكر سعادة الحيّ وإلحاح على تعليم العقيدة السورية القومية الاجماعية، وتأكيد على رسالة الزعيم الصائبة في إيجاده مبادئ الحزب العامل الروحي الاجتماعي – الثقافي الذي يتمكن من صهر الجماعات الدينية والاثنية في بلاد الشام وتحويلها إلى عناصر متجانسة متلاحمة في صلب الأمة السورية.
كتاب سماحة مدخل إلى نقاش أوسع للتأسيس وإعادة البناء.

* كاتب فلسطيني