بداية من المهم شرح بعض المصطلحات الموظَّفة في كتاب «البورنو الإثنية: الجنوسة والاستعمار والمعرفة الأرشيفية» (تحرير: بيت سيغال وزيب تورتوريسي ونيل. أل. وايتهيد ــــ منشورات جامعة ديوك ـ 2020)، وأولها علم الإثنوغرافيا الذي اجتُرِحَ للمرة الأولى عام 1898. يؤكد الكتاب، الذي شاركت فيه مجموعة من المساهمين، جذور الطابع الاستعماري للمصطلح، وهو مرتبط بجهود من صاغه، أي ولتر روث، بهدف تسجيل وتوثيق الممارسات الثقافية والدينية للشعوب الأصلية في كوينزلاند في أستراليا للجمهور في الوطن وفي المستعمرات البريطانية في الخارج. ثمة فصل لروث حمل عنوان «إثنو-بورنوغرافيا/ البورنو-الإثنية» Ethno-Pornography، يعالج مجموعة متنوعة من الموضوعات وطقوس البدء و«الاحتفالات الأولى» بين الرجال والنساء من السكان الأصليّين، وتطفّل القضيب وتهتك المهبل والبلوغ والزواج والخطبة وسحر الحب والعَصَبَة (consanguinity) والمتعة الجنسية أو التغنيج والحمل والولادة والإجهاض والرضاعة والحيض والتبول والتبرز والكلمات البذيئة، دوماً وفق الكتاب. ولتر روث كان على ثقة بأنّ قرّاء الكتاب، سيتّجهون فوراً إلى ذلك الفصل لقراءته. لذا، نجد أنّه حذرهم بالقول «ملاحظة المؤلف - الفصل التالي غير مناسب للاطلاع عليه من قبل القارئ العادي». هذا يوضح، دوماً حسب الكاتب، أنّ إنتاج معرفةٍ صريحة حول أجساد السكان الأصليين ورغباتهم وطقوسهم الجنسية، تنطوي على احتمال أن تُساء قراءتها واستخدامها ومصادرتها من القارئ العادي العام، وأن يساء فهمها حتى عندما تكون موجهة، نظرياً، نحو المعارف العلمية والفكرية.
ستيفان غراف ــ «رجل» (1992)

المشاركون في هذا المؤلف يوضحون أن عملهم مستوحى من ولتر روث آنف الذكر وانتقاده في الوقت نفسه، فإنهم يعرّفون البورنو الإثنية/ الإثنوبورنوغرافيا بأنها إنتاج مواد مثيرة تتعلق بالأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم مختلفون عن أولئك المتوقع استيعابهم (قراءة/ مشاهدة/ الاستماع إلى) أي قطعة بحث معينة. يؤطّر المساهمون في هذه المختارات مفهوم ومنهجية علم البورنو- إثنية من خلال: التقارير التاريخية والإثنوغرافية للمعارض البشرية والعروض الإثنوغرافية للشعوب «الغريبة/ exotic»، وعروض غريبة والعروض العلمية والتقارير الطبية ومعروضات المتاحف ورسائل شخصية وسجلات أرشيفية أخرى حميمة، والروايات الدينية عن المواجهة الاستعمارية والتحول الروحي، وروايات الرحلات والخطاب الاستشراقي والفن الاستعماري والمواد الإباحية (بين الأعراق) ومحفوظات الصور الفوتوغرافية والأفلام والشائعات التي تنتشر في كثير من الأحيان خارج عن السيطرة حول أحداث إثنوغرافية محددة.
فكرة البورنو-الإثنية نفسها تشير إلى مجموعة من المخاوف بشأن معاني التمثيل البورنوغرافي، وتعدد النشاطات الجنسية وموروثات التمثيل الاستعماري.
في الوقت الذي ينتقد فيه المساهمون في هذا الكتاب البورنو-إثنية إلى حد ما، فإن بعضهم يتصورها أيضاً منهجية تتم إعادة تنظيمها تنظيماً منتِجاً واعتناقها نقدياً.
أما الجذر الاشتقاقي لكل من «الإثنوغرافيا» و«الإثنولوجيا»، فيكمن في العرقية (ethnos)، وهي الكلمة اليونانية المستخدمة للإشارة إلى مجموعة أو شعب أو أمة. بحلول الأربعينيات من القرن التاسع عشر، ظهرت «الإثنولوجيا» كنظام تاريخي وعلمي في أوروبا يستخدم السمات الثقافية والمادية والاجتماعية واللغوية لفحص العلاقة بين المجموعات البشرية المختلفة وفهمها على نحو أفضل.
يستكشف المساهمون في الكتاب الروابط بين النشاط الجنسي والإثنوغرافيا والعرق والحكم الاستعماري


عبر تحليله الطموح لتاريخ الإثنوبورنوغرافيا وتداولها، يتحدى هذا المجلد القرّاء للنظر في مركزيته لأشكال المعرفة نفسها. تقدم مجموعة المقالات في هذا الكتاب، مساهمات مهمة في المجالات عبر العلوم الإنسانية، بما في ذلك الدراسات الأدبية والتاريخ والدراسات السوداء [!] والدراسات العرقية ودراسات الثقافة البصرية ودراسات النوع الاجتماعي والأنثروبولوجيا. كما أنه يجبر القرّاء على التفكير في سياسات وأخلاقيات رغباتنا الجماعية في الرؤية والمعرفة وكيف شكلت هذه الرغبات أساس المعرفة التأديبية.
كذلك، يستكشف المساهمون في هذا المجلد الروابط بين النشاط الجنسي والإثنوغرافيا والعرق والحكم الاستعماري من خلال فحص البورنوغرافيا الإثنية - الملاحظة المثيرة للآخر للأغراض العلمية أو الأكاديمية المفترضة. المساهمون يوضحون أن البورنو الإثنية أمر أساس لإنشاء العرق والاستعمار، إضافة إلى المعرفة الأرشيفية والإثنية من خلال الموضوعات التي يتناولونها بالعرض والبحث والتي تمتد من القرن السادس عشر إلى الوقت الحاضر في أميركا اللاتينية والولايات المتحدة وأستراليا والشرق الأوسط وغربي إفريقيا. كما أنهم قاموا بتحليل روايات الرحلات الأوروبية في القرن الثامن عشر، من بين موضوعات أخرى، والتصوير الفوتوغرافي وإضفاء الطابع الجنسي على النساء الإفريقيات والآفروأميركيات، وتمثيلات اللواط في أنحاء الإمبراطورية العثمانية جميعاً، والتمثيلات العنصرية في مجلة برازيلية إباحية للمثليين، والرغبة الاستعمارية في الفيلم الإباحي (Gaytanamo, 2007) والعلاقة بين الرغبة الجنسية والعمل الميداني الإثنوغرافي في إفريقيا وأستراليا، وروايات الرهبان الفرنسيسكان المتلصّصة للأنشطة «الخطيئة» للشعوب الأصلية. بتوضيح كيفية مواجهة القارئ أو المشاهد في البورنو الإثنية، يتخيّل القارئ أو المشاهد الاتصال المباشر مع الآخر من مسافة بعيدة، يتتبع المساهمون دورها في خلق فئات عرقية وأسسها في العلاقة بين الاستعمار والنظرة المثيرة. بذلك، فإنهم يضعون نظرية في الإثنوغرافيا كشكل من أشكال المواد الإباحية التي تحركها الرغبة في جعل الآخر قابلاً للمعرفة واستثمار السلطة المؤسسية.
يضم هذا المؤلف ثمانية فصول موزعة بالتساوي على قسمين «تصور العرق» و«البورنو الإثنية بوصفها تاريخاً استعمارياً» كما يلي:
الفصل الأول (غريبة / مثيرة / إثنوبورنوغرافيا: النساء السود والرغبة والعمل في الأرشيف الفوتوغرافي) يركز على سرد القصص العرقية من خلال التصور والانسداد (visualisation and occlusion) وكاتبة الفصل تعمل على سرد القصص العرقية من خلالهما. بينما تُظهر الكاميرا رجالاً ونساء عبيداً، تسعى الكاتبة إلى تحليل العنف الإثنوغرافي المتضمن في المشهد الذي نراه والمعرفة التي نسعى إليها والصمت في الصورة. الأرشيف الفوتوغرافي لسبعة رجال من «العبيد» ونساء من «الرقيق» في القرن التاسع عشر من ساوث كارولينا، يوفّر الزخم للكاتبة لتصوّر مشهد من العنف والعنف القائم على تخيّل أجساد العبيد لغرض ظاهري يتمثل في تعزيز العلم. تشير الكاتبة إلى أن الصور المبكرة التي فحصتها، تمثّل فكرة تجريبية مفادها أن الصورة يمكن أن تقدم واقع الجسد الأميركي الإفريقي. مالك «العبيد» الذي لم يتم تصويره مطلقاً (مع أنه كان موجوداً في الاستوديو عند التقاط الصورة) والمصور والعالم يستهلكون جسد الآخر. النساء السوداوات اللواتي تم تصويرهن عاريات جزئياً - والرجال السود عراة تماماً - يظهرون للكاتبة لإخفاء حالاتهم العاطفية، في حين أن علاقة القوة التي ينطوي عليها إنشاء هذه النظرة مصمّمة للإيحاء بأن الأفراد الذين يشاهدون مهتمون فقط بـ «العلم». تنبثق الإثنوغرافيا هنا من النظرة الممزوجة بالتكنولوجيا متنكّرة في صورة تقدم علمي في خدمة الإنسانية.
الفصل الثاني (الجوع والساخن واللامبالٍ في السرير: الأسود والرغبة والسياسة في مجلة إباحية برازيلية للمثليين، 1997-2008) يوضح أن التفاعل بين المتعة والعنف في المواد الإباحية للمثليين في البرازيل يسمح بتحليل الطرق التي يعمل بها الناشرون للتلاعب بالرغبة العنصرية.
الفصل الثالث (أشباح غايتنامو/ the ghosts of gaytanamo) يوضح أن هذا الفيلم المثلي الإباحي يسكت العداء العنصري وحتى العرق نفسه. فإذا أخذنا مجمع سجن خليج غوانتنامو كموقع للتعبير عنه، فإن سبب وجوده - كمكان تدّعي حكومة الولايات المتحدة أنه لإخفاء أسوأ الإرهابيين الإسلاميين وسجنهم - غائب تماماً عن الفيلم، وأصبح التعذيب، وهو شكل شائع من التحقيقات في غوانتانامو، تحريضاً ومغازلة في «أشباح غايتنامو». واستخدام التحقير المثلي القسري لتعذيب الرجال الإسلاميين تم وضعه في الفيلم فقط من خلال اقتراح يثير السجين (الذي يُفترض أنه أبيض). يجادل الفصل بأن عدم وجود رجال عرب ومسلمين يدل على استفزاز إثنوغرافي.

يقودنا إلى الإمبراطورية العثمانية حيث يحلل الارتباط التاريخي لمفاهيم الجنس المفرط


الفصل الرابع (تحت عيون الرجال البيض: الإيروتيكا العنصرية والتقابل الإثنوغرافي، والحفاظ على النظام الاستعماري) يقدم السرد الإثنوغرافي الأكثر تخصيصاً في البورنو-الإثنية ويأخذ القارئ إلى دائرة كاملة من حيث رغبة كاتبته الجريئة في فحص المعاني الاجتماعية للشائعات عن جسدها ورغباتها وارتباطاتها التي تم تداولها في موقع ميداني أنثروبولوجي. وتضع تجربتها الإثنوغرافية في غرب إفريقيا في علاقتها بلقائها الجنسي مع رجل من غربي إفريقيا، وتناقش المعضلات الأخلاقية للعلاقات الجنسية بين الأعراق «في الميدان» وعلاقات القوة التي ينطوي عليها البحث الإثنوغرافي.
الفصل الخامس (التلصّص الفرنسيسكاني في إسبانيا الجديدة في القرن السادس عشر) يناقش مشاركة الرهبان الفرنسيسكان في مشروع استعماري واسع النطاق وتعمقهم في تعلم لغة السكان الأصليين الخاضعين لسلطتهم وثقافتهم. فمن أجل تنصير هؤلاء السكان، ظنّ الرهبان أنهم في حاجة إلى الانخراط في دراسات مكثفة عن الشعوب الأصلية مع إيلاء اهتمام خاصّ للاحتفالات والأنشطة اليومية التي حددها الرهبان بأنها إشكالية على نحو خاص، وقاموا بتطوير حسابات إثنوغرافية واسعة النطاق لهذه الأنشطة، مع التركيز على التصوير القضيبي لجسم الذكر.
الفصل السادس (مؤلفات الرحلات الأوروبية والجنس العثماني: معابر اللواط في الخارج، 1550-1850) يقودنا إلى الإمبراطورية العثمانية حيث يحلل الارتباط التاريخي لمفاهيم الجنس المفرط، ولا سيما اللواط بالثقافة الإسلامية. يحلل الكاتب التفاعلات بين علماء الإثنوغرافيا والتبادلات المعقدة في ما يتعلق بالأفعال «الجنسية المثلية» التي حدثت داخل الإمبراطورية العثمانية والحرية الجنسية العثمانية التي لم تكن موجودة إلا في أذهان المصورين الإباحيين، من خلال دراسة كتب الرحلات الأوروبية على مدى ثلاثة قرون ومقارنتها بالمصادر التركية.
الفصل السابع (جنوسة الآخر: من الإثنوبورنوغرافيا إلى العلاقات الجنسية بين الأعراق المختلفة في أدب الرحلات الأوروبي عن نساء غرب إفريقيا)، يبين أنّ الرجال الأوروبيين سافروا في القرنين السابع عشر والثامن عشر إلى غرب إفريقيا متوقعين سهولة الوصول الجنسي إلى النساء الافريقيات. باستخدام روايات السفر الهولندية والبريطانية والألمانية والفرنسية، يربط الفصل هذا التاريخ بالمواد الإباحية الحديثة بين الأعراق.
الفصل الثامن والأخير (رجال مثلنا: اختراع البورنو الإثنية) يبحث في أصل مصطلح «البورنو-الإثنية» ويُظهر أن اختراع ولتر روث لـ «علم الأعراق البشرية» يتعلق بمفهومه للعلم «الانثروبولوجي» الذي يتضمن اهتماماً متلصصاً بالممارسات والأجساد الجنسية «الغريبة» في السياق الاسترالي الاستعماري. فالنظرة العلمية، من منظور روث، هي شكل من أشكال المعرفة التي تلقي بظلالها على العنف الجنسي المدمر للاستعمار البريطاني، دوماً بكلمات الفصل.

Ethnopornography: Sexuality, Colonialism, and Archival Knowledge. duke university press (2020). extent: 1-xi, 282 pages with illustrations. edited by pete sigal, zeb tortorici, and neil l. whitehead