كتاب جديد وطريف في تونس يتناول «نَحو الشوارع» كما سمّاه الروائي والباحث الأكاديمي المختص في اللسانيات توفيق العلوي. الكتاب الصادر عن «دار محمد علي الحامي» أول عمل يتناول تحليل خطاب الجدران في الشوارع التونسية أو ما يعرف بفن الغرافتي الذي تزامن ظهوره كفن احتجاجي مع الانتفاضة التي شهدتها البلاد بين 17 كانون الأول (ديسمبر) و14كانون الثاني (يناير) 2011 وانتهت بسقوط النظام.
لا يكاد يخلو شارع واحد في الأحياء الشعبية من كتابات تعبّر عن الغضب والتمسّك بالحرية والكرامة، وهي الشعارات التي رفعتها الانتفاضة في تونس.
يقول توفيق العلوي: «لقد كنت أشعر كل مرة وأنا خارج من الكليّة أنني تارك «نحوي» بين جدرانها؛ أقصد روحي العلمية؛ فالنحو الذي نشرت فيه كتباً ومقالات وغير ذلك؛ بل كتبت فيه قصصاً منشورة؛ ودرّسته على مدى أكثر من ثلاثين سنة؛ يكاد يكون ليس منّي رغم أنّه ظلي الدائم». ويضيف: «ما نشتغل به عموماً هو التدوين الجداري المحظور السائد الذي كلّما حجّروه انتشر؛والممنوع المجتمعي الذي يشتغل خارج النّسق المألوف؛ وهو تدوين في جوانب منه تلقائي عفوي؛ وفي جوانب أخرى جمالي فني منسجم مع خطاب التمرّد نفسه والاحتجاج عينه».
يتضمّن الكتاب ثمانية فصول خصّص الفصل الأول لمدارات «الغرافمار» التاريخية وهي الحركات الغرافيتية ونحو الخطاب السياسي وكتابة الحدث، ومدارات «الغرافمار» المعرفية والنحو التوقيعي والمدارات الدلالية والنحو التداولي والنحو السيميائي والنحو الاستعاري والكم الغرافيكي مع ملحق للصور من شوارع وأزقة في تونس.
والكتاب الذي يمتد على 250 صفحة هو رحلة في النحو العام على حد تعبير العلوي. دراسة لثقافة جديدة انتشرت خلال السنوات العشر الأخيرة بعدما تحرّر الفضاء العام من قبضة السلطة. يقول العلوي: «سمينا هذا الكتاب «نحو الشوارع» أو «الغرافمار» تعبيراً عن اختصاص علمي يجمع بين الغرافيتي والنحو، في مفهوم اصطلاحي مدرج لرؤى لسانية مختلفة».
الكتاب هو أول تناول نحوي لكتابات الشارع وتحليل سيميائي لها، يضاف إلى الأفلام التسجيلية التي أنتجتها مجموعة من السينمائيين الشبان عن تجارب الغرافيتي الذي أصبح فناً يختزل معاناة الشباب واحباطاتهم وأحلامهم. ولا ننسى هنا أنّ الاسلاميين في صراعهم مع السلطة في الثمانينيات والتسعينيات، استعملوا الجدران لكتابة شعارات مناوئة للنظام آنذاك.