لأن الفنان الحقيقي ابن بيئته تأتي اغنية الفنان شربل روحانا على مهلها مشبعة بالدسم والمحبة وغير مستعجلة لتحمل كلاماً منسجماً مع الواقع ومتوازية به. هي تحاكيه بفكر موسيقي لا يعلو عليه ولا يسقط فيه. أغنيته الجديدة «بيروت» التي عممها روحانا قبل يومين بصمت كعادته وبلا أي ضجيج اعلامي على وسائل التواصل الاجتماعي لتتعاطى مع حال بيروت بعد الانفجار ولا تخرج عن نمط تفكيره وشخصيته المحبة المتواضعة التي لا تأبه بما حولنا من تكلّف وفذلكة وتزوير وهبوط. لحّن شربل قصيدة كلمات اخيه الفنان المحبوب بطرس روحانا التي تخاطب بيروت كالام قائلةً بكلامٍ مؤثر جداً في سُطورها الأولى «بيروت يامِّي شو مَنحَكى ونقال إم بِتْلِم لمِّتنا جمعتنا ربِّتنا سنين فوق سنين». وتستمر بمعاني اجوائها المُؤثرة عاطفياً لتبلسم جراح ناس بيروت كإخوة يتشاركون المصير القاسي من دون الوقوع في يأس وسوداوية. مشى اللحن مُبتدِئاً من مقام «عجم الـ DO» لينتهي به ايضاً وهو يسير واثقاً بالتفاؤل من المذهب الى الكوبليه الأول (بيروت يمّي) بتغيير الى مقام حجاز النوا ثم عاد وأَغنى نسيج المقامات وهو ينتقل في الكوبليه الثاني الى نهاوند على نغمة الـ «للا» مع كورد على الـ «مي» ليختم النهاية كما ابتدأ بمقام الاساس عجم على الـ «دو». مشت المقامات برحابة على تسلسل متغير لايقاعات مربّعة ٢/٤ و ٤/٤ . كما نرى أثرى شربل نسيج اغنيته باجواء تلك النقلات ليخلق بها مناخات لحنية متفائلة لم تسقط في تكرار ولا ثرثرة، بل أثرت اجواء الاغنية بتنوع اجوائها الشاعرية عاطفياً ووطنياً ليقارب بها التعبير عن اجواء التعدد السكاني لابناء بيروت بتلوين موسيقي يتوازي بهم وبتنوع تطلعاتهم واحلامهم وقدراتهم على النهوض التي اثبت تاريخهم القديم والحديث قدرتهم على انجازه مهما كانت الصعوبات كبيرة وهائلة. تسير الاغنية واثقة من جمال وغِنى تغييرات اجوائها لتعود وتنتهي كما ابتدأت بعجم الـ«دو». وزع الاغنية الفنان نديم روحانا ابن الفنان شربل والكلمات كما ذكرنا أعلاه لاخيه مما يعني انها اغنية وُلِدت في أجواء عائلية ممتلئة بالمحبة والتعاون لتعكسه داخلها بنفس الأجواء الزاهية، فتنضم بها الى مجموعة صغيرة قليلة تعد على اصابع اليد الواحدة لفنانين كبار خصصوها للمواساة والتكاتف البعيد عن التكلف والهبوط الفني المنتشر هذه الايام.