بطريقتها الخاصة، تستعمل المخرجة السنغالية الفرنسية أليس ديوب كاميرتها، وبنيتها الواضحة بالاستجواب والمراقبة، بخاصة عندما يتعلق الأمر بالتناقضات الشديدة بين الفرنسيين، القادمين من أصول استعمارية مختلفة، وأولئك الذين يحملون نسب تاريخها الطويل. في فيلمها الجديد «نحن» (أفضل فيلم في قسم «مسابقات» في برلين)، تسافر ديوب في الأحياء والمناطق التي يمر عبرها قطار يعبر ضواحي باريس، للتركيز على حياة مجموعة غير متجانسة من الناس الذين يعيشون في تلك المناطق. يمشي الشريط بخطى جغرافية، تماماً كمسار القطار الحضري الباريسي RER B، الذي يعبر العاصمة الفرنسية وضواحيها من الشمال إلى الجنوب، ما يجعل عبوره شبه إكلينيكي. ما تفعله المخرجة وفريقها هنا هو اختيار نقاط مختلفة على خريطة الضواحي تلك، وقفة عند العديد منها (شوفروز، لو بورجيه، جيف سور يوفيت، رواسي)، وتصوير الشخصيات التي تعيش هناك. تمثل كلمة «نحن» في العنوان بالضبط ما يلي: قطع محدد لمدينة تضم الكثير من الأشخاص الذين لا نراهم عادةً على الشاشة، مثل إسماعيل، الميكانيكي الذي وُلد في مالي ويعمل منذ سنوات في ضواحي باريس ويتحدث عبر الهاتف مع والدته الموجودة في بلدة صغيرة بالقرب من باماكو، والذي لم يزرها منذ عام 2000. ستتوقف المخرجة أيضاً عند عمل ممرضة تزور العديد من الأشخاص ذوي الدخل المنخفض لتداويهم، ونلتقي أيضاً بكاتب كرّس نفسه أعماله لأناس تلك الضواحي التي لا تظهر عادةً في الأدب الباريسي. تُظهر ديوب من خلال بداية الفيلم إطاراً فسيفسائياً صمّمته من خلال الأشخاص الذين يراقبون حيوانات برية من بعيد، وتُظهر من اللحظة الأولى عالمين متباعدين ومع ذلك متجاورين. انقسامات تطارد حاضر فرنسا، ما يؤكد على الجانب الأنثروبولوجي للرحلة. في الرحلة أيضاً، شيء من الأدب، فالمخرجة أوضحت أنها اتخذت بعضاً من كتابات جيمس جويس كنموذج لتصويرها الناس العاديين. ولكنّ الإلهام الأول هو مجلد Le Passagers du Roissy-express الذي روى فيها فرانسوا ماسبيرو وأنايك فرانتز بالكلمات والصور ما واجهاه خلال رحلتهما. أما الإلهام الثاني الصريح، فهو من خلال مشاركة الكاتب بيار برغونيوس في الفيلم. في «نحن»، تشعرنا ديوب أن باريس الحقيقية اليوم، هي في هذه الأماكن أكثر من مناطق السياحة وتلك الشهيرة. لا تقدم ديوب في الفيلم ما يُسمى عادة «الأغلبية الصامتة»، الخزان التقليدي الذي يسحر عموماً السياسيين الأكثر تحفّظاً أو القوميين، بل تتحدث عن سكان مدينة معقّدة ومتعددة الثقافات لها جذور آلاف القصص. بشر يعيشون بعزلة وتمييز، وبعضهم بالحنين إلى تسلسلات هرمية موروثة من ماضٍ ملكي.


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا