الفكرة كل الفكرة أن لا تنكسر من الداخل؛ أن لا يصبح وجود العدو «طبيعياً»، عادياً، يومياً، معاشاً. هذه الفكرة كانت صنو الشهيد الفلسطيني الصيدلاني باسل الأعرج الذي مرّت ذكرى استشهاده أمس، موضحاً في مقالته «حرر عقلك واهدم صنماً»: «تنتهي الحرب عندما يهزم العقل». وسم الشاب العالي الثقافة بالكثير من الميزات، لكن المطالع لحياته وأسلوبه في المقاومة يعرف بأن هذه السمة هي أهم صفاته. كان باسل يعيد ويكرر فكرة أنَّ العدو لا بد راحل، شرط ألا يصبح ساكناً في العقول والرؤوس. عمل على عدّة أصعدة كي يكون عمله منهجياً واعياً؛ فالعقل هو صنو الصراع ومحوره، هو الذي قال: «فاذا دخلت الهزيمة العقل، فأعلن انتهاء الحرب، ويبدأ الظلم بالتفشي عندما يقدم المظلوم التنازل بإعطاء السلطة للظالم، السلطة على عقله، تلك السلطة يمنحها العقل البشري ويبدأ بإعطاء مبررات للجسد لتقديم التنازلات الواحدة تلو الاخرى، الى أن يصل به الحال لقبول الوضع القائم ويبدأ ببناء فلسفة جديدة تسمى بـ العقل الكولونيالي أو عقل المظلوم أو عقل المضطهَد».تنبه باسل أولاً إلى ضرورة إيضاح من هو العدو. تحديد العدو هو أمرٌ شديد الأهمية؛ لذلك كانت نصوصه تتحدّث عن الاحتلال/ المستعمر، هنا لم يميّز المثقف «المشتبك» -كما يحب كثيرون تلقيبه نظراً لنصه اللفظي الشهير- «بين الأعداء/ المحتلين»؛ فقارب الصهيوني الآن، الإنكليزي المحتل سابقاً وحتى العثماني بردائه الإستعماري التوسّعي. اعتبر الأعرج أنَّ أي وجود احتلالي على الأرض العربية -إذ أنه لم يتحدث عن فلسطين وحدها- هو وجودٌ يجب مقاومته بالكلام والفكر والنار والحديد معاً. ففي مقالته المعنونة: «باب الواد»، أشار إلى الوحدة التي تجمعه مع مقاتلين يقاومون الإحتلال من جميع أنحاء العالم: «تعمّد الوادي بدمائنا، وفي بابه اختلطت دماءُ أمتنا؛ بلادُ الشّام مع عراقنا ويمننا وجزيرتنا وواد النيل ومغربنا، وهناك وقف بجانب العرب ثوارُ أمتنا الإسلامية من ترك وفرس وسند وهند، فقاتلوا واستشهدوا دفاعاً عن قدسنا، ووقف بجانبهم أحرار العالم ليقاتلوا ويستشهدوا أفارقةً ولاتينيين وسلافيين». ميّز باسل كثيراً بين فئاتٍ تريد القتال لأجل التحرير. قارب في نظريته الفكرية/ الثقافية/ الثورية أنَّ «الثائر» هو بالضرورة «خارجٌ عن قوانين الإحتلال». بالتالي إن «تعميده» بتلك الصفة أمرٌ بديهي. لهذا فإن «الرفض الإجتماعي» لفكرة وجود الإحتلال تبدأ من خلال رفض قوانينه، ورفضه لاحقاً: بشكلٍ تجميعي أو تفكيكي؛ فيوضح في مقالته «الخروج عن القانون: الدخول في الثورة»: «أما وجه الشبه ما بين الثوريّ والمجرم هو أن كليهما قرّرا الخروج عن «الأنظمة والقوانين» المُتعارف عليها. لهذا، فإنّ انتقال المجرم إلى الفعل الوطنيّ أو السّياسيّ المنظّم أو غير المنظّم هو انتقالٌ سلسٌ، لا تَشُوبُه – على سبيل المثال - تعقيداتُ انتقال أبناء الطبقة البرجوازية لما يتطلبُهُ ذلك من رفضٍ للطبقة الاجتماعيّة، ومن نبذٍ لطقوس وعادات الطبقة والراحة المادية التي توفرها. فاللصّ، ومن خلال خبرته في مجال السّرقة والاحتيال، قد أتقن آليات العمل خارج منظومة القانون، واكتسب مهاراتٍ للتعامل في حالات الاعتقال والتحقيق، وقد جرّب تنفيذ عملياتٍ تتطلّب درجاتٍ عاليةً من التخطيط المُسبق؛ وهي خبراتٌ تتشابه في منطقها العمليّ مع الفعل المُقاوم، وإنْ اختلفتْ الأهداف». هذا المثل وإن كان بعضهم قد يراه قاسياً، يعوّل عليه باسل بأنَّ «الوطنية» هي معيارٌ رئيسي للقياس. بمعنى أنَّ «اللص» الذي يسرق من المحتل، هو وطنيٌ أكثر من المواطن «العادي» الذي يتجنب الإحتلال، أو يتعاون معهم بشكل سلبي (بمعنى يشتري بضاعتهم أو يبيعها في عمله). الوطنية تحدد زاوية ومكانة الفرد من المجتمع ككل. هو أشار إلى وجهة نظر الشهيد عز الدين القسّام حول هذه الطبقة من الناس، والتي توسم عادةً بالإجرام: «وفي دلالةٍ مهمّةٍ على التصاقه بمجتمعه وحبّه له، وشعوره بالعدالة، واكتسابه أدواتِ تحليلٍ قادرةً على منح رؤيةٍ واضحةٍ وجادّةٍ، فقد قال عنهم: «دعْهم يعملون لأنّ في عملهم رجولةً سنحوّلها في يوم من الأيام إلى جهادٍ، وما دام المستعمر يرغب في إماتة نفوسنا، فإن هؤلاء أقرب إلى الله، وإلى حب الجهاد من المستكينين». ولأنَّ هؤلاء في المعتاد يسكنون «أسفل الهرم الاجتماعي»، فإنه يسهل عليهم «الحياة خارج المنظومة التي تفرض شروطاً مذلّةً للعيش. كما أنهم يمتلكون المعرفة الكافية للعيش والاستمرار خارج مظلةّ القانون الظّالم». كما لا تنطلي عليهم «خدع السلطة وتزويرها للحقائق، فلا يخضعون لخطابها وأدواتها الإعلامية وصناعة الرأي العامّ. هنا يكون قانون الإحتلال أشبه بأداة تطبيع وهيمنة؛ هذا منطقياً يجعل الخارج عن هذا القانون: «مقاوماً» بالفطرة. هنا يكثّف باسل فكرته بأن يشير إلى «مبتدأ كلّ ثورةٍ هو الخروج»: أي أنَّ القبول بقوانين هذا المحتل هو أساس المشكلة. الخروج عن «الاحتلال» يتضمن حتماً رفض «عتاداته»: فلا يصبح «مصنوع الإحتلال» مصنوعنا، ولا «نتاج الإحتلال» نتاجنا، ولا يجوز تمثيله، ولا القبول بمصطلحاته، فضلاً عن استخدام لغته: «يبدأ هذا المظلوم باستخدام لغة ومصطلحات الظالم ويبدأ بالتشبه بشخصية وشكل الظالم لاعتقاده بأن اقصى درجات الحضارة هو شخصية هذا الرجل (ظاهرة سماع الاغاني العبرية هي ظاهرة حقيقية معبرة عن استلهام وعي المضطهِد) لاحقاً يتطور هذا النوع من الاستلهام الى درجة يصبح فيها المضطَهد يستخدم مصطلحات مثل «نحن، عندنا، النا» في حديثه عن سيده («حدث اني قابلت شابا تأثر جداً بالثقافة الصهيونية فكان كل موضوع نتكلم فيه يستخدم جملة احنا عنا في الدولة» من مقالة «حرر عقلك واهدم صنماً»).
من هنا؛ فإن «كسر الصنم، وهدمه» لابد أن يكون من الداخل قبل الخارج، في العقل والروح قبل الجسد، وهو أهم بكثيرٍ من حمل بندقية. المقاومة فعلٌ عقليٌ/روحي قبل أي شيء، وبعده.
على الجانب الآخر؛ فهم باسل الصراع بأنّه ليس صراعاً دينياً بحتاً، وأنه ليس صراعاً بين عربٍ ويهود، وبين فلسطيني واسرائيلي فحسب، مشيراً في مقالته «عميرة هس ووهم اليسار المتضامن»: «منذ أن ادعيت أنني أصبحت واعياً (على افتراض غياب فكرة الوعي الزائف) لم أعد أبداً الى تبسيط الصراع، لم أعد أرى كما تمّ تلقيني منذ الصغر أن هذا صراع بين عرب ويهود، بين فلسطيني واسرائيلي، وهجرتُ تلك الثنائية الى غير رجعة، تركت تلك النظرة التبسيطية الساذجة».
قارب باسل الصراع كما فهمه علي شريعتي، وفرانز فانون؛ حيث قسم الأوّل العالم إلى عالمٍ أولٍ وعالمٍ ثانٍ مع ما يستتبعه ذلك من أثر، فيما أشار الثاني إلى صراعٍ أوضح وأشد ظهوراً من خلال فكرة «معسكر تحرري، ومعسكر استعماري» وهي التي قاربها باسل في معظم تحليلاته لاحقاً. فهم باسل بأنه كي يكون الصراع واضحاً، علينا تفنيده: أولاً التخلّص من الشوائب و«العلقات» المزعجة التي تتعلّق بجسم المقاومين. بدايةً كان التخلّص من «فرضية» «الرأي العام العالمي»، «التضامن العالمي» وسواها من خلال نظريةٍ واضحة حين حديثه عن عميرة هس (صهيونية تدّعي تأييد القضية الفلسطينية و«يطبّل» لها اليسار العربي/العالمي بسخافة وكل الوقت): «هي لا تختلف أبداً عن أي مثقف من مثقفي المستعمِر ولا عن أي أستاذ من أساتذة الأخلاق الذين يتقاطرون الينا ليعطونا الحلول والبدائل ودروساً في الاخلاق والانسانية وأساليب النضال. وهي ليست الا جندياً في المعركة الخلفية التي يطلقها المستعمِر في ميدان الثقافة والقيم. تعترف «بحقوقك» لكن بشروط، وأهم شرط هو أن تظل تدور في فلكها وأن لا تحاول التمرد على ما تلقنه لك». هذه الفكرة هي سمةٌ من سمات التعامل مع الآخر الغربي واحتلاله: إنه يريد قولبتك كي تكون مثله: ترتدي ثيابه، تمنطق الصواب والخطأ بمنطقه، تقبل الشيء أو ضده لأنه يقبله، وفوق كل هذا تؤمن بما يريده لأن هذا هو الصواب. إنها نظرية : «المستعمِر هو الذي صنع المستعمَر وما زال يصنعه». إنها حاجة الذي تضيع أرضه -حسب ما يراه ويريده الاحتلال- إلى وصيٍ عليه: وصيٌ أخلاقي، ثقافي، اجتماعي. راقبوا مثلاً كيف يتقاطر مدّعو الثقافة العرب إلى الغرب للحصول على جوائزهم، فضلاً عن التباهي بتلك الجوائز لدرجة مقززة. هس -كأنموذج- تقترح مقاومةً «لاسلمية» وهو ما ينبّه باسل لنوعها. «فان المهم أن الفلسفة والاستراتيجية التي تقف خلفه هي اللاعنف الذي يرتكز على اثارة الضمير والاخلاق لدى الخصم». بمعنى أن نستجر «عطف الإحتلال» علينا كي يعيدوا لنا حقّنا، خصوصاً مع التركيز الذي يثيره الغرب -ومن لف لفيفه- حول «محدودية السلاح واخفاقاته في الماضي».
هنا يطرق الباسل فكرة السلاح، مشيراً في مقالته «الانتفاضة دمّرتنا: عن هذه الإدعاءات أتحدث» إلى أنّه «وإذا قررنا مثلاً أن نعيد دراسة التجربة العسكرية في الإنتفاضة فإن تسليح الانتفاضة لم يكن هو السبب فعلياً بالآثار السّلبية لها، بل هناك عوامل أخرى هي التي أدت إلى هذا. فالقيادة لم تكن على قدر المسؤولية، ولم تستطع أن تنظم المجتمع وتُعِدّه لحرب شعبية طويلة الأمد، كما حمل البعض فهماً ساذجاً للكفاح المسلح، وقاموا بتسطيح شديد لماهيته لدرجة أنه لا يؤثر على توتر السطح وفق عبارة (إحمل بارودة وطخ مين مانعك)، إضافة إلى عدم وجود الوعي الكافي والتحضير النفسي والاجتماعي، وغياب التنظيم للقوات المقاتلة والتي أفرزت قيادات بدون كفاءات بعد تصفية الصف الأول. كما أن الحاضنة الاجتماعية غائبة تماما، وهناك مسافة شاسعة ما بين الجماهير وما بين العمل العسكريّ». بمعنى أن المشكلة لم تكن في السلاح البتة؛ المشكلة كانت في التحضير للمعركة، كما في القيادات التي أرّخت لتلك المعركة. فيقول حرفياً: «القيادات التّقليديّة المحليّة التي طالما ساومت ولم تكن بقدر المسؤولية في طريقها لفقدان مواقعها لصالح شريحة أوسع كثيراً تنظم نفسها أفقيا وبدون تمثيل» إبان حدوث إنتفاضة/مقاومة/رفض شعبي/مواجهة. رفض القيادات التقليدية/المعادة/المستهلكة التي عُرِف انتهاءها كان ضرورة بالنسبة لباسل. بنفس الوقت، ولأن باسل وعى مجتمعه، فهم بأن أولى خطوات الصراع هي في فهم المجتمع وادراكه، وتحديد طريقة للتعامل مع طبقاته وخصوصاً طبقته الوسطى التي يسميها بعض اليسار في بلادنا اعتباطاً بالبرجوازية. هذه التوصيف المعطى لطبقةٍ اجتماعية متوسطة لديها مكتسبات تحاول الاحتفاظ بها أياً كان الحاكم، بالتالي تصبح مساعداً لهذا الاحتلال بشكلٍ أو بآخر؛ ليست موجودة في فلسطين مؤكداً: «لا توجد في فلسطين برجوازية بمعناها الكامل، بل هي طبقة متشبهة بالبرجوازية الاستعمارية، لكن استخدمت المصطلح كتوصيف لطبقات أو شرائح مجتمعية من المثقفين والأغنياء والتّجار وأصحاب المصالح والموظفين». طبعاً هؤلاء مدّعو البرجوازية هم أُس الصراع؛ إذ عند أي تحضيرٍ لصراع، يجرّونك لنقاش المطالب والمكاسب، فضلاً «عمن يُمثل الشعب ويتحدث باسمه؟» والحديث عن التمثيل تتبعه مباشرة ممارسة سلطة على الجموع الحقيقية التي تمارس الاشتباك، وممارسة سلطة آو امتلاكها سيدفع مباشرة للمساومة، والمساومة ستعيد إنتاج ما سبق بوجوه جديدة وأعمار صغيرة. هنا سيجرّك القادة التقليديون الذين فقدوا كل قوتهم «التقليدية» خلال «الانتفاضة/الثورة/المقاومة» إلى التسويف والتأجيل. فينتقل المقاوم على الأرض إلى لعبة السياسة والانتظار: ننتظر اجتماعهم لتقرير ماذا علي أن أفعل. هنا تنزع المسؤولية الفردية لكل شخصٍ عما يحدث، ويرمى الأمر في حضن ذات القيادة التي بسهولة يمكن للمحتل تطويعها، طيّها، ووضعها في جيبه كما المعتاد. من هنا نبّه الباسل: إن أول ما يفعله «الاستعمار هو تعريف الممكن والمستحيل للشعوب المضطهدة، ويعاونه في ذلك عادة بعض أفراد الشعب ويتم ذلك عبر تقنيات تدخل مباشرة وغير مباشرة، فلا تصدقوا ما يتم قوله ونقله ومحاولة زرعه في عقولنا، وحاكموا المقولات وفق المنطق وقوة التحرر لدى الشعوب».
على الجانب الآخر؛ كان باسل شديد التفاؤل، كما العمل. فأشار في مقالته «نظرات على الهبة الشعبية» إلى أنَّ القادم أفضل، وبأنَّه من المهم أن نقاوم كفعل حياة: «اليوم الأمور تتغير، اليوم يُخلق بشرٌ جديدون، اليوم يٌبعث أناسٌ لا يقبلون الدنية في دينهم ووطنهم، اليوم تُقلب الصّفوف ليصبح الآخِرون هم الأولون والأولون هم الآخِرون». كما أشار إلى المكاسب التي حققتها الإنتفاضة الفلسطينية وهبهاتها الشعبية: «ألم تتخلص غزة تماماً من أي مستوطن؟ ألم تصل غزة إلى مرحلة التخندق أو حتى مرحلة الحرب الهجينة كنتيجة للانتفاضة الثانية؟ ألم تُدك تل أبيب والقدس بصواريخ كانت تجاربها الأولية تشبه فعليا علب الفليت؟ ألم يتم تفكيك مستوطنات في الضفة الغربية (جنين ونابلس) لأن الاحتلال لم يعد قادراً على حمايتها ولم يعد يتحمل تكلفة استمرار وجودها؟ ألم تكلف الانتفاضة العدو مليارات الشواكل؟ ولا تدري ما قامت به الانتفاضة من وقف ويلات كانت تنتظر شعبنا؟ شخصياً أؤمن بأن الإنتفاضة أخّرت لفترة عملية تهجير جديدة كان يُعدُّ لها». نفس الأمر انسحب على المقاومة الشخصية/ الفردية المرتبطة بالشعبي المعاش؛ حينما تحدّث عن شخصيات قاومت بالشخصي/ الفردي قبل العام. إذ تحدث عن شخصية عوني ابراهيم الشيخ، القومي العربي الفلسطيني من بيت لحم، الذي رفض استخدام الشيكل بدايةً وبشكلٍ قاطع، مستقيلاً من وظيفته كمدرس لأنه رفض «تدخل الحاكم العسكري بالعملية التعليمية»، فاشترى بعض الأغنام وبدأ بزراعة طعامه. رفض حمل «البطاقة التعريفية» الصادرة عن الصهاينة لأنّ ذلك هو «اعترافٌ بعصابات شيكاجو التي حالفها الحظ لأن تصبح دولة». نفس الأمر ينسحب على الدكتور ابراهيم القادري، الذي يعتبر من رواد العملية التربوية في فلسطين بحسب باسل. كان القادري مديراً لـ «معهد العروب الزراعي» في الضفة الغربية، و«عند احتلال العصابات الصهيونية للضفة الغربية كان يدير معهد العروب الزراعي , بعد عدة ايام من الهزيمة طلب من المعلمين والطلاب في المدرسة العودة للانتظام بمقاعد الدراسة، وقام بتقسيم ما تنتجه مزارع المعهد على المعلمين والطلاب ليتعاشوا منه كبدل للمخصصات التي كانت الدولة الاردنية تدفعها. قامت قوات الاحتلال بأمره بإغلاق المعهد الا انه رفض الانصياع للأوامر. فتم اعتقاله عدة مرات ومن ثم حاولوا اغتياله الا انه صمم على المضي قدماً في القضية التي تبناها. وقام بمراسلة مدراء المدارس في الضفة وحثهم على الانتظام في العملية التعليمية. بعد فترة قصيرة، اصبحت كل الضفة الغربية منتظمة مجددا في العملية التعليمية، مما فرض على الادارة المدنية التعامل مع عودة التعليم في الضفة كأمر واقع. فبدأت سلسلة من الاجتماعات بين وفد من المدراء والادارة المدنية. يصف الدكتور ابراهيم مدى التشنج وكمية الصراخ المتبادل في تلك الاجتماعات، ويقول: في أحد الاجتماعات الذي عقد في بيت ايل، قام الحاكم العسكري للضفة الغربية بشدي بقوة من طوق قميصي صارخا: انت لازم تموت، ولك انت اللي رجعت التعليم للضفة الغربية، انتوا حرام تتعلموا، انتوا لازم تظلوا رعيان غنم». هذه النماذج قاربها باسل ليظهر أنَّ هذه الأرض ليست بعاقر، كما إنَّ مقاومة الإحتلال هي فعلٌ شخصيٌ بدايةً ومبادرةٌ فرديةٌ: "فخذ لنفسك مبادرة والتزم بها ومن يدري لعل مبادرتك تصنع ثورة، فالثورة مبادرة فردية، تبنتها جماعة. باختصار؛ ينتصر باسل اليوم، وغداً، وإلى الأبد. ذلك أن المقاومة فعلٌ مستمر ذو جدوى. لا ينتهي إلا بانتهاء الاحتلال: أيُ احتلال، كلُ احتلال.