في 3 كانون الثاني (يناير) 2021، افتتحت وحدة الأنشطة الإعلامية في «حزب الله» معرضاً فنياً مؤقّتاً بعنوان «قاسم»، في قاعة بلدية الغبيري «رسالات»، وهو معرض فنّي سينوغرافي (تصميم مشاهد القصة) يُحاكي سيرة الشهيد القائد قاسم سليماني من النشأة الاجتماعية والثقافية والسياسية، ومختلف الجبهات التي تواجد فيها، لجمعها في ساحة واحدة تعبيراً عن وحدة القضية. المعرض، الذي يتضمّن بعضاً من مقتنيات وأسلحة الشهيد، يهدف إلى إظهار الناحية الروحية والصفات الإنسانية له، باعتباره نموذجاً يُحتذى للثائر الأممي، في زمن يزوّر فيه بعضهم مفهوم الثورة والسيادة.تبدأ قصّة المعرض بنموذج عن أحياء كرمان الإيرانية، التي نشأ فيها سليماني. منزل تسوده البساطة، مُحاط بالعشب الأخضر، وحسينية بداخله مع المنبر الذي كان يخطب عليه. تسرق النظر إلى الناحية المقابلة، ترى حذاءً عسكرياً على باب المنزل، وقد عُلّقت الملابس العسكرية إلى جانبه. تُنبئُك المشهدية بجهوزية القائد لأيّ عمل عسكري أو حتى إنساني، فالشهيد لم يكن يعرف الراحة. كان حاضراً لأي طارئ. تُكمل طريقك نحو «أحياء العراق»، وآثار انفجار كان قد دوّى في حائط أحد منازل المدنيين، تزيّنه مشاهد للشهيدين سليماني وأبي مهدي المهندس في الميدان، حيث الاعتداء على العزّل والنساء والأطفال سبب وجودهما. أحياء كانت قبلهما، مشبعة بروائح الذعر. تختلس النظر إلى حائط يلتحف راية من المقام في سوريا، تُخبرك عن حماية الشهيد للمقدّسات. لم يطل المسير، حتى «تصل إلى لبنان». تنقلك ذكريات الثلاثي القادة إلى حرب تموز 2006: الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الشهيد القائد عماد مغنية، و«قاسم» ثالثهما. تتوسّط المشهد شجرة صُنعت من حديد البناء، وقد ظلّلتها قلادات لشهداء. ذكريات تقرؤها وأنت تجلس على أحد المقاعد على الأرض، كيف نجا الثلاثي عام 2006 من مهداف طائرات العدو. تشي القلادات بسبب لقب «صانع الشهداء»، الذي كان يحمله سليماني، فهو زرع فيهم ذلك فأثمر جهده. أما مواد البناء، فكانت للدلالة على الدور الكبير للشهيد في إعادة الإعمار بعد الحرب ومنع تشرّد المواطنين. إلى جانب المشاهد الرسومية تلك، مقتنيات للشهيد أبي مهدي المهندس، وبعض من سيرته ومواقفه. فقد حرصت إدارة المعرض على إعطائه جزءاً من حقّه في التعريف أمام جمهور المقاومة في لبنان، إضافة إلى سجادة الصلاة التي صلّى عليها سليماني في اللقاء الأخير مع السيد نصرالله في لبنان.
استغرق العمل أشهراً في البحث والإعداد وتصميم المعرض الداخلي والإنتاج البصري والفني


إلى غرفة العمليات الميدانية تنتقل، اختارها القيّمون على المعرض للإشارة إلى دور الشهيد في إدارة العمليات ميدانياً في دول المنطقة، إلى جانب الإدارة المعنوية التي كان يحملها. يتجسّد ذلك في صناديق الذخيرة التي تحتوي كتباً مقدسة، محاطة بالورود، جنباً إلى جنب مع ذخائر الأسلحة. تدلّ على أن ما يحمله سليماني ليس عسكرياً فقط، إنما وجدانياً يزرع في طريقه الحب والورود. حضرت «الأخبار» أيضاً على طاولة العمليات المفترضة، في مقالة عن الشهيد، ضمن عدد واكب خبر الشهادة قبل عام. تتسلّل من الغرفة المجاورة إضاءة حمراء، فيها كُسرت هيبة العلم الأميركي، وأمامه خارطة لقاعدة عين الأسد التي استهدفتها الصواريخ الإيرانية بعد عملية اغتيال سليماني، وصور للأضرار الناجمة. إلى جانبها، محطات تاريخية تروي شيئاً من غطرسة أميركا، متمثلة برؤسائها أو شخصيات سياسية فيها، منها عام 1837 والرئيس الأميركي آنذاك أندرو جاكسون، الذي كان يأمر باحتساب عدد قتلاه من خلال إحصاء عدد أنوفهم أو آذانهم المصلومة، وقد رعى بنفسه حملة تمثيل بجثث 8000 هندي، وعام 1988 حين أسقطت أميركا طائرة مدنية إيرانية فلقي 290 راكباً مدنياً حتفهم. مسار تاريخي يحمل البصمة ذاتها، وصولاً إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
هناك ممرّ، ذو طريق وردي، معبّد بقلادات الشهداء، يقودك «نحو القدس». بعدما بدأت القصة بمنزل تراثي يرتبط بالأرض، يستوقفك عند الخروج جدار إسمنتي محطّم. ذاك جدار الخوف الذي بنته «إسرائيل»، على الحدود مع لبنان. ترك الشهيد سليماني قوة قتالية مجهّزة، لن تتوانى عن اختراق الجدار في أي حرب مقبلة. لن تشبه تلك الحرب سابقاتها بشيء.
تؤكّد إدارة المعرض أنه سيُعاد افتتاح أبوابه بعد انتهاء الإقفال، وقد يتضمّن إضافات جديدة تتناسب وذكرى القادة الشهداء في شهر شباط، أو أنشطة بنكهة جديدة مواكبة للذكرى. تشير إلى أن العمل استغرق أشهراً في التحضير والتنفيذ، ضمن مسارين في البحث والإعداد وتصميم المعرض الداخلي والإنتاج البصري والفني وكيفية المواءمة بينهما. يحمل المعرض روحية جديدة على الصعيد الفني، بأسلوب جديد ومختلف. اعتمد التصميم على مبدأ التضادّ Contrast باعتماد الألوان المتعارضة، كما الأمر في المواد والملموسات والخامات والأحجام وغيرها. . تهدف إدارة المعرض من خلال التضاد إلى تجسيد «..أشداء على الكفار رحماء بينهم..»، إضافة إلى التركيز على استخدام الضوء في إظهار الأعمال، من خلال تعتيم المساحة الكاملة وتصميم إنارة لكل محطة، ما يعطي بصمة تعبيرية خاصة يمكن من خلالها الذهاب بعيداً في مضامين الأعمال. من خلال كل ذلك، يعبّر المعرض عن الشخصية العطوفة للشهيد مع عامّة الناس والأصدقاء والعائلة، والشخصية الصلبة في أشرس معارك الميدان. «قاسم» لم يُستشهد. هو مقاومة لا تنتهي قبل اختراق الجدار. «قاسم» قضية و«القضية لا تموت».



جائزة باسمه
أطلقت جمعية «أسفار للثقافة والفنون والإعلام» أمس جائزة «سليماني العالمية للأدب المقاوم»، في الذكرى الأولى على استشهاد قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني. وضمن ندوة سياسية نظّمتها أخيراً، أشارت الجمعية إلى أن موضوع الجائزة لهذا العام يتمحور حول تيمة «صانع النصر». والمقصود هنا، كل من أسهم في صناعة الانتصارات من مقاومين وشهداء. المنسّق العام للجائزة الشيخ فضل مخدر، شرح بأن أقسام الجائزة تتوزع على القصيدة العَمودية والرواية والقصة القصيرة، لافتاً إلى أن الجائزة ستكون سنويةً، وتسعى إلى تسليط الضوء على القضايا الإنسانية المواجِهة للظلم والاحتلال، مؤكداً في الوقت عينه، أنها تلتزم المهنية العالية في اختيار النصوص والأعمال الفنية، من خلال نخبة من النقّاد المشهود لهم بالخبرة والنزاهة. ومعلوم أن مجموع الجوائز في الأقسام الثلاثة يعادل 240 مسكوكة ذهبية.