في موسم عيد الميلاد، كان مشتركو «نتفليكس» على موعد مع دراما تاريخية رومانسية تدور رحاها في إنكلترا القرن التاسع عشر (عام 1813 تحديداً). أرادت شوندا رايمز اقتباس أحداث مسلسل «بريدجرتون» من سلسلة الروايات الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه وتوقيع الأميركية جوليا كوين. في أوّل أعمالها لمصلحة منصة البثّ التدفّقي الأميركية، أرادت منتجة Grey›s Anatomy وHow to Get Away with Murder وScandal الغوص في تلك الحقبة، ولكن برؤية مختلفة تماماً عن السائد في هذا النوع من الإنتاجات الدرامية. ففي الحقيقة، كان أمير ويلز يومها وصيّاً على العرش بسبب عجز والده الملك جورج الثالث الذي كان يعاني من مرض عقلي. فترة شهدت حركة ثقافية نشطة كانت من أبرز وجوهها الكاتبتان جين أوستن وماري شيلي. العمل الذي يحقق نجاحاً واسعاً حول العالم، يُتوقّع أن يحصد 63 مليون مشاهدة في شهره الأوّل، كما أنّه يحتلّ حالياً المرتبة الأولى في لبنان على صعيد المشاهدة. وقد جاء بعد ثلاث سنوات من توقيع «نتفليكس» عقداً ضخماً ــ قدّرت وسائل إعلام غربية قيمته بـ 150 مليون دولار أميركي ــ مع رايمز الآتية من عالم التلفزيون التقليدي، والتي تضع اللمسات الأخيرة على مشروعٍ ثانٍ بعنوان Inventing Anna من المقرّر عرضه هذه السنة، في إطار الصفقة نفسها.احتاجت صاحبة شركة «شوندالاند» 40 شهراً لتسليم أوّل مسلسل لمصلحة منصة الـ «ستريمينغ» المعروفة، فيما تولّى كتابة العمل المؤلّف من ثماني حلقات وبدأ التحضير لموسمه الثاني، كريس فان دوسن.
هذا ليس مسلسلاً تاريخياً تقليدياً، يحيلنا إلى إنتاجات معروفة على شاكلة «داونتن آبي» أو «كبرياء وتحامل» أو غيرهما. تتمحور القصة حول «دافني» (تجسّدها البريطانية فيبي دينيفور)، سليلة عائلة «بريدجرتون» الثرية والمرموقة البيضاء. كنظيراتها في المجتمع الأرستقراطي الإنكليزي، تتطلّع هذه الشابة للزواج. وعلى طريق تحقيق هذه الغاية في موسم التعارف والزواج اللندني، تقيم علاقة مع دوق هايستينغز «سايمون باسيت» (يجسّده البريطاني ــ الزيمبابوي ريغي ــ جان بيدج)، تبدأ ظاهريةً قبل أن تتحوّل إلى مصدر لسوء تفاهم وتطوّرات لتتكلّل بعلاقة حميمة وزواج عاصفَيْن.
على عكس مسلسلات أخرى وجدت طريقها إلى الشاشة الصغيرة أو شبكات العرض عند الطلب، يجاهر القائمون على «بريدجرتون» بأنّ السلسلة ليست أمينة جداً للحقبة التاريخية التي تنتمي إليها، فـ «نحن لا نوثّق للأحداث ولا نقدّم درساً في التاريخ»، بحسب ما نقل الملف الإعلامي للمسلسل عن كريس فان دوسن. وأضاف: «مسلسلنا مُصَمّم لجمهور عصري، بموضوعات وشخصيات حديثة. لذلك أخذنا الحرية في إعادة التخيّل».
خطاب نسوي لافت، وتنوّع على صعيد الممثلين


لا يكتفي «بريدجرتون» بخطاب نسوي بارز، يتوافق مع يومنا هذا ويتناقض مع تقاليد العصر الخاص به، بل لم يتردّد فريق شوندا رايمز باعتماد قدر كبير من التنوّع، إذ استعان بعدد من ممثلين سود، وهو ما يُعدّ خارجاً عن الإطار التاريخي، بما أنّ العبودية لم تُلغ في إنكلترا إلا في عام 1833، بينما كانت العنصرية حاضرة بقوّة في بداية القرن التاسع عشر. في الحلقة الرابعة، تقول «ليدي دانبري» (أدجوا أندوه)، المرأة ذات الأصول الأفريقية، السريعة البديهة، لدوق هايستينغز: «كنا مجتمعَيْن منفصلَيْن مقسومَيْن على أساس اللون، إلى أن وقع الملك في حب واحدة منّا... انظر إلى كل ما يحققه هذا لنا، ما يسمح لنا بأن نحقق ذواتنا». وتصرّ على أنّ «الحب، ينتصر على الجميع».
صحيح أنّ تنوّع الـ «كاست» هو أوّل ما يلفت نظر المشاهد على الفور، غير أنّ الأمر لا ينحصر بالشخصيات الأرستقراطية السوداء، ولكن أيضاً بسيدة الأعمال «مدام جينيفيف ديلاكروا» (كاثرين درايسدال)، وزوجين من الطبقة العاملة هما «ويل وأليس موندريش» (مارتينز إمهانغبي وإيما نعومي). كلّ هؤلاء أساسيون في نظام الطبقات الاجتماعية المعقّد الذي يشكل تصوّر المسلسل للندن في أوائل القرن التاسع عشر.
وخلافاً للمسلسل التاريخي Still Star-Crossed الذي سبق أن أنجزته رايمز لمصلحة شبكة ABC الأميركية، لا تنسى شخصيات «بريدجرتون» أبداً أصولها الأفريقية. وبدلاً من ذلك، تتعامل معها باعتبارها أحد جوانب هويتها. ولعلّ شعبية المسلسل دليل على أنّه يتعيّن على صنّاع الدراما عدم حصر وجود الشخصيات الملوّنة كضحايا للعنصرية!
على الرغم من نقاط قوّتها على هذا الصعيد، بدا مستغرباً أنّ الشخصيات السوداء وحدها تتحدّث عن العرق. وهو قرار إبداعي يخاطر بتعزيز الامتياز الأبيض، على الرغم من أنّه يسعى لتقويضه، وذلك من خلال تمكين شخصياته البيضاء من التحرّر من الهوية العرقية.
في «بريدجرتون»، تركيز على فصل الجنس عن الزواج. وفي مجتمع يُعتبر فيه الحديث عن الجنس مع بنات الطبقة الأرستقراطية غير لائق على الإطلاق، نتتبّع «دافني» وهي تكتشف هويتها الجنسية، خصوصاً بعد زواجها من «سايمون». هنا، المشاهد الحميمة تبدو واقعية جداً، وهي موجودة لتُخبر قصة هذا النوع من الصحوة الجنسية التي تعيشها «دافني»، وهو ما يُعدّ مهمّاً جداً لحكايتها على وجه الخصوص.
وإذا أردنا الحديث عن النَّفَس النسوي، فـ «إيلويز بريدجرتون» هي المصدر الرئيسي لذلك في المسلسل. هي غير مهتمّة بإيجاد زوج وتفضل الذهاب إلى الجامعة وتحقيق ذاتها. يتعاطف شقيقها الأكبر «بينيديكت» (لوك طومسون) وصديقتها المقرّبة «بينيلوبي» (نيكولا كوغلان) مع رغباتها، ويشجّعانها. مع العلم بأنّ «بينيلوبي» نفسها تشكّل نموذجاً نسوياً، وإن كان مختلفاً.
طُعّمت هذه الدراما التاريخية بعنصر مستوحى من مسلسل Gossip Girl الشهير، إذ أُدرجت ضمن الشخصيات راوية غامضة (تؤدّي صوتها جولي آندروز)، تُطلق على نفسها اسماً مستعاراً هو «ليدي ويسِلداون»، وتصدر تحته نشرة مطبوعة تفضح من خلالها أسرار المجتمع المخملي البريطاني وخباياه، ما يؤثّر على مجريات الأحداث.
ومن أبرز نقاط التجديد في هذا المسلسل أيضاً، إدخال طعم الحداثة حين تعزف الأوركسترا موسيقى أغنيات جديدة، من بينها Thank You, Next الصادرة في عام 2018 عن نجمة البوب الأميركية أريانا غراندي. ناهيك بجمال الديكورات والأزياء.