هذا النص قد يتضمّن حرقاً للأحداث
فيما كان العالم يتحضّر لعيد الـ «هالوين» في نهاية شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، أزاحت منصة البثّ التدفّقي «شاهد»، المنضوية تحت جناح شبكة mbc السعودية، الستار عن فيلم «خط دم» (Bloodline ــ كتابة وإخراج رامي ياسين ــ 92 د) الذي وضعته ضمن خانة «الرعب» وصنّفته لمَنْ تزيد أعمارهم عن 18 عاماً. محبّو هذه النوعية من الأعمال، تشوّقوا لمتابعة إنتاج عربي جديد يدور في هذا العالم الساحر والجذّاب.
أداء باهت للممثلين، على رأسهم ظافر العابدين ونيللي كريم

تعود ميثولوجيا مصّاص الدماء إلى التراث الشعبي الفولكلوري، وقد سُجّلت في ثقافات وحضارات عدّة، خصوصاً في أوروبا الشرقية. وبعد استفادتها من المُنتَج الأسطوري، ركّزت السينما على هذه الشخصيات وأسرت الملايين حول العالم، ولا سيّما عبر «دراكولا».
بعض المحللين النفسيين يعزون هذه الأسطورة إلى رغبة الأحياء واعتقادهم الدائم بأنّ الموتى لا يريدون أن يكونوا في عداد الموتى، ويشعرون بالحاجة للعودة إلى أسرهم. في هذا الإطار، يقول المحلّل النفسي وطبيب الأعصاب الويلزي الشهير، إرنست جونز، إنّ السبب الجذري لهذا الإسقاط هو بلا شك «أمل الموتى في أن لا ينساهم الأحياء... هذه الرغبة منبثقة في الحقيقة من ذكريات الطفولة وخوف الطفل بأن يُترك وحدَه من قبل والدَيْه».
أما باحث الميثولوجيا، هانس مويغار، فيعتقد بأنّ الانجذاب إلى هذه الشخصيات يعود لأنّ مصّاص الدماء هو «إسقاط ناجح للمخاوف البدائية لدينا، ومخلوق لاهوتي بعمق فلسفي ونفسي هائل». وبطبيعة الحال، يبقى هذان التفسيران مجرّد عيّنة من آراء كثيرة سُجّلت على مرّ السنين. بدايةً، اتسم مصّاصو الدماء على الشاشة الكبيرة بالأناقة والكاريزما المصحوبة بنبل وتعليم، قبل أن يتغيّر الأمر مع إضافة المزيد من العناصر والصفات الجديدة، لتأخذ اليوم خصائص أكثر عصرية. ويُعتبر فيلم رومان بولانسكي الذائع الصيت Dance of the Vampires (عام 1967) من أشهر وأجمل أشرطة الرعب التي تدور حول هذه الشخصيات الأسطورية. ومن بين الأعمال السينمائية والدرامية التي حصدت شعبية، نذكر أيضاً: The Vampire Diaries وVan Helsing وBuffy The Vampire Slayer وTwilight و«دراكولا» وغيرها.
في إطار من التشويق، يتناول «خط دم» عالم مصّاصي الدماء. يدخل الطفل «مالك» في غيبوبة بعد تعرّضه لحادث سيارة تسبّب فيه شقيقه التوأم «آدم» من دون قصد، فيحاول والداه «نادر» (التونسي ظافر العابدين) و«لميا» (المصرية نيللي كريم) إعادته إلى الحياة. وفي سبيل هذه الغاية، يلجآن لحلّ يقلب حياتهما رأساً على عقب، يتمثّل بحقن الصغير بدم مصّاص دماء!
«أوّل فيلم عربي عن مصّاصي الدماء». بهذه العبارة، روّج القائمون على الشريط لمشروعهم، غير أنّهم غفلوا أو تناسوا الفيلم المصري «أنياب» (تأليف طارق شرارة ومحمد شبل الذي تولّى الإخراج) الصادر في عام 1981، من بطولة علي الحجار ومنى جبر وأحمد عدوية وطلعت زين وحسن الإمام وغيرهم. يتمحور العمل حول تعطّل سيارة «علي» و«منى» في الطريق لحضور إحدى الحفلات مع مجموعة من أصدقائهما في ليلة رأس السنة، فيضطران للجوء إلى أحد المنازل المهجورة من أجل استخدام الهاتف لإجراء مكالمة هاتفية. وإذ بهما يكتشفان أنّهما في منزل «دراكولا» نفسه، ليقع كلّ منهما في قبضته وقبضة مساعديه.
على مدى 93 دقيقة، ينتظر المشاهد «الرعب والتشويق» اللذين وُعد بهما، لكن من دون جدوى! لا تسلسل منطقياً للأحداث ولا مبرّرات لمجرياتها، خصوصاً حين يقرّر الأهل اللجوء إلى دم مصاص دماء لمساعدة ابنهما على استعادة وعيه، أو حين تضحّي الأم في النهاية بحياتها لتأمين وجبة واحدة لطفلَيْها.
في ظل غلبة للرتابة، نحن أمام سيناريو بلا حبكة، ويفتقد إلى الإقناع، وإخراج لا يرقى إلى مستوى التوقّعات، لا يجيد استخدام المؤثّرات البصرية والصوتية والإضاءة والماكياج وغيرها من العناصر لإغناء الشريط. لا بل إنّ بعض المشاهد تثير السخرية في أحيان كثيرة، كتلك اللقطة التي يُظهر فيها ظافر العابدين أنيابه الطويلة، إلى جانب مشهد التهامه اللحم النيْء أو تقديمه الدماء الطازجة لابنه ليروي عطشه.
وبعيداً عن هذه المشاكل، لعلّ أبرز نقاط ضعف «خط دم» هي عدم استثمار قدرات البطلَيْن التمثيلية، وتحديداً نيللي كريم، إذ جاء الأداء باهتاً وبارداً للغاية.
في إطار ردّه على بعض الانتقادات التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي عقب عرض الفيلم، أكّد رامي ياسين أنّ محتوى عمله «أصلي مئة في المئة»، وأنّه متابع لهذا الـ «جنر» منذ فترة طويلة، مشدداً في الوقت نفسه على أنّ الهدف هو «الخروج من القصة الدرامية التقليدية في السينما لتتناسب مع طبيعة الجيل الجديد الذي يهدف إلى اختراق الحواجز حول العالم».
من غير الواضح كيف يخدم Bloodline هذه الغاية، التي ربّما كان على الكاتب أن يبذل مجهوداً أكبر لتحقيقها، ولا سيّما أنّه يسعى إلى مخاطبة جيل يتعرّض يومياً لسيل من المواد الترفيهية المُتقنة المنتمية إلى هذا النوع!